د. الحسين الموس
على إثر سؤال كتابي من طرف أحد الفرق البرلمانية قدم الأستاذ وهبي وزير العدل جوابا حول تطور وضعية زواج القاصر في السنوات الأخيرة، وقد تناسلت الكتابة والتعليقات حول الموضوع، بين مُرحّب بانخفاض عقود هذا الزواج من 26 ألفا و298 حالة سنة 2017 إلى 8 آلاف و955 حالة في سنة 2024، وبين من لا يرى فيه أي أثر للترشيد ويدعو للإغلاق التام لإمكانية الزواج قبل سن الأهلية القانوني أي ثمان عشرة سنة في مشروع التعديل المقترح للمدونة. وسأتفاعل في هذا المقال مع الموضوع من خلال النقاط التالية:
- إن مضمون جواب السيد الوزير يؤكد حقيقة كبيرة ينبغي أن يتداعى العقلاء إلى العمل على استثمار مقتضياتها لأجل حفظ الأسرة المغربية، وبناء زيجات ناجحة قادرة على تخريج مواطنين أقوياء في خدمة وطنهم. هذه الحقيقة تتمثل في أن الرشد شرط أساسي في نجاح الزواج، وأن الأسرة تحرص عليه خاصة كلما ارتقى المستوى التعليمي لأفرادها. فلا يتصور أن يوجد عاقل يزج بفلذات كبده إلى زواج يعلم مآلاته السيئة، ما لم توجد ضرورة قصوى.
- ومن جهة أخرى فقد أظهر الجواب أن قضاة المملكة لهم من الشعور بالمسؤولية، ومن الحس الوطني ما يجعلهم يقدّرون متى يُسمح بالزواج دون سن الأهلية، بالنظر للمصلحة البادية ومتى يتم الرفض، وقد كان بوُدّنا لو نشرت الوزارة كل المعطيات وخاصة عدد العقود مقارنة مع عدد الطلبات بالنسبة لكل السنوات. وقد قمت بتجميع المعطيات التي صرح بها الوزير في الجدول التالي:
السنة | طلبات المدينة | طلبات البادية | المجموع | عدد رسوم الزواج |
2020 | 11830 | 4527 | 16357 | |
2021 | 15150 | 6283 | 21433[1] | |
2022 | 10528 | 4104 | 14632 | |
2023 | 9021 | 2882 | 11913 | |
2024 | 11325 | 4100 | 15424 | 8955 |
إن عدد العقود مقارنة بالطلب تكاد تقارب النصف سنة 2024، ولم يقدم الوزير معطيات حولها في السنوات الأخرى، لكن تقرير النيابة العامة لسنة 2023 قريب من هذه النسبة حيث سَجّل أن عدد طلبات الإذن سنة 2023 هو 19848، ولم يستجب إلا ل 8624 طلبا. وهذه المعطيات تعني أن القضاة يراعون مصلحة الفرد القاصر في الزواج، وأنهم بخبرتهم وبعد مراجعة التقرير الاجتماعي والخبرة الطبية يرفضون قرابة نصف الطلبات. ومن ثم فإن كل مزايدة على القضاة، أو اتهام لهم بالانخراط في إهدار مصلحة الفتيات هو اتهام مجاني ومجانب للصواب، كما أن الدعوة لسحب السلطة التقديرية منهم لن يكون من نتائجها سوى مزيد من الدفع إلى الزيجات غير الموثقة أو زواج الفاتحة، ثم الإتيان لاحقا بطلبات إثبات الزواج خاصة بعد ولادة الأبناء، علما أن أشرس المدافعين على منع الزواج دون سن 18 سنة غالبا ما يصطفون مع المنادين بإعطاء النسب عن طريق الخبرة الجينية، فمالهم كيف يحكمون؟
- إن السبب البارز لكثير من حالات زواج القاصر تعود حسب السيد الوزير إلى الهشاشة المرتفعة في البوادي وفي بعض الأحياء الفقيرة بالمدن؛ ” مما يؤكد أن الأوساط الاجتماعية التي تعاني من الهشاشة هي الأكثر رواجا لزواج القاصر”… وقد ورد التأكيد على هذا السبب أيضا في تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية حيث جاء فيه؛” تساهم الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها بعض الأسر في الدفع باتجاه تزويج الفتيات بشكل مبكر، حيث خلصت الدراسة المشار إليها أعلاه إلى أن زواج القاصر ينتشر بشكل أوسع في الأوساط الفقيرة والهشة، التي تنتشر فيها الأمية والجهل، والتي تتسم في الغالب بمحدودية دخلها ونشاطها في القطاع غير المهيكل، وهو ما يدفع بالأسر التي تنتمي لهذه الأوساط إلى تزويج الفتيات القاصرات بهدف وضع حد للمصاريف المتعلقة بهن….”[2] ومن ثم فالمطلوب من مؤسسات الدولة أن تقوم بدورها في توفير ظروف التمدرس للفتيان والفتيات، وضمان أساسيات العيش الكريم، وإشاعة نفس التكافل لحفظ الأيتام، فهذا هو المفتاح الأساسي لحفظ الشباب من زواج دون سن الأهلية، وقد يؤثر سلبا على مستقبلهم.
- إن علماء الأمة من أحرص الناس على حفظ المصالح التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، ومنها حفظ النفوس والعقول بالصحة الجسمية والتعليم اللازم، وكذلك حفظ النسل بالزواج الناجح الذي يقيم أسرة متماسكة. ولطالما وجّه العلماء أبناء الأمة إلى ترشيد زواج أبنائهم، ومن ثم فإن الدين غير مسؤول عن الحالات غير المُحقّقة للمصلحة والتي قد يكون أيضا من أسبابها كما عبر عنه وزير العدل؛ ” وطأة الأعراف والتقاليد والتأويل الخاطئ للدين”. ولذلك فالمطلوب مزيد من إشراك العلماء والمرشدين في التعريف بقيم الإسلام، وفي التنبيه على بعض الأعراف الفاسدة والضارة بالأسرة، وهم بإذن الله ومن خلال سلطتهم المعنوية قادرون على الإسهام في تحقيق نتائج أفضل لمصلحة الأسرة المغربية. وقد أكد وزير العدل نفسه أن: “مواجهة الظاهرة في المناطق الفقيرة والقروية لا يمكن أن تظل مرتبطة بوجود تشريع يمنع أو يسمح فقط، بل تتجاوز القانون إلى عمق الواقع الأسري والعقليات والمفاهيم الاجتماعية السائدة”.
- من جهة أخرى فقد خرجت بعض الأصوات النشاز تدعو إلى المنع النهائي للزواج دون سن ثمان عشرة سنة، ومنها من دعت لرفع سن الزواج القانوني إلى إحدى وعشرين سنة؟ ومنهم من يُخوف من اعتماد موافقة المجلس العلمي الأعلى على أن يكون الحد الأدنى هو سبعة عشرة سنة، ورآها ترسيما لسن الزواج فيها.
ونقول لهؤلاء جميعا، إن المغرب ليس بدعا من دول العالم التي تبيح الزواج دون سن الأهلية لأسباب موضوعية، وفي بعضها من يسمح به ابتداء من أربعة عشرة سنة. ثم إن الإحصائيات الرسمية تؤكد أن نسبة الزيجات المأذون فيها لا تتجاوز 5 في المائة في جميع الحالات، وهي في تناقص بفعل اعتماد مقاربات توعوية واقتصادية، وإنه كلما انخفضت الهشاشة وارتفع المستوى التعليمي كلما انخفضت طلبات الإذن بخصوص هذا النوع من الزواج. وإن بقيت بعض الحالات الاستثنائية فهي تقدر بقدرها، ولا مفر من حسن التعامل معها، بدل الخضوع لضغط ما تُروج له بعض المنظمات النسوانية التي لا تهتم بالزواج أصلا، بل تريد علاقات مفتوحة دون ضوابط ولأقل من ثمان عشرة سنة، ولا يهمها حفظ الأسرة ولا بناء المجتمع بناء سليما.
[1] بعض هذه الأرقام التي قدمها وزير العدل تخالف الأرقام المسجلة في تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية للفترة بين 2017-2022، أنظر ص 22، وإن كانت لا تبعد عنه كثيرا .
[2] المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تقرير حول القضاء الأسري بالمغرب 2017-2021 ، ص 24 .
تعليقان
للعرف والعوائد المحمودة التي لا تتعارض مع مقتضيات النصوص الشرعية اعتبار في التشريع، فتلعادة محكمة، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا…..وفرق كبير بين المشكلات الحقيقية التي افرزها واقع الناس، واقتضتها ظروف موضوعية، وبين ما يُفتعل من القضايا، ويهول أمره فيصير مشكلا مفتعلا يراد صرف الوقت والجهد لايجاد حلول له، وهو في واقع الامر لايحتاج الا لجهد قليل….ومن هذه القضايا زواج القاصر، فكم من الاولياء تدفعه فطرته لاجبار أو ترغيب موليته في الزواج وهو يحس ضعفها، وقلة حيلتها، وعدم قدرتها على تحمل اعباء الزواج؟
وهل فتيات القرى خاصة لاينجحن في تأسيس الاسر وهن في سن 16 او 17 وربما اقل من ذلك في المناطق الدافئة كالبلاد الصحراوية مثلا، فلماذا يُمنعن من الزواج وهن وأولياؤهن راغبات، وقادرات بحكم سنهن وبنية أجسامهن، ونضجهن وتمرسهن بتدبير بيت العائلة…..طالما أن العُرف الاجتماعي وعوائد الناس يسيغ ذلك، ولا يَحدث بسببه خلل في البنية الاجتماعية للبيئة المعنية، ولا مشاكل تتعلق بالحمل والولادة….؟
ان التقنين بناء على الوضع الغالب في المجتمع محمود ومقبول، لكن من التقنين أيضا أن تترك السلطة التقديرية للولي، ومعه القاضي في تقدير المصلحة الفضلى للمتزوجيْن، مع إحكام ضوابط هذه السلطة التقديرية حتى لا يقع الشطط، أو الابتزاز في استعمالها، لانها في نهاية المطاف منوطة بالمصلحة.وبهذا تمضي حياة الناس بسهولة ويسر يتحقق معه العفاف والتحصين للشباب، ولا تتضرر الاسرة الناشئة
حفظكم الله أستاذي الفاضل، واعتبارا لتغير الأعراف، وحرضا على تحقيق المصلحة الفضلى للفتى والفتاة أبقي على الاستثناء، والذي يقدره القاضي بناء على معطيات واقعية من خلال البحث الاجتماعي والمقابلة الخاصة. لكن هناك من لا يهمهم إلا اتباع المواثيق الدولية في كل شيء، ولو أدت إلى الكوارث