بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين،

القضية الفلسطينية لا تزال قائمة ومستمرة بكل أبعادها. ووقفُ إطلاق النار بغزة لا يعني طيَّ ملف الجرائم الصهيونية وحرب الإبادة المتواصلة لعامين كاملين، ولا يعني تحرير فلسطين من الاحتلال والاغتصاب، ولا يعني قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولا يعني عودة ملايين اللاجئين إلى أرضهم وديارهم، ولا يعني وقف التمدد الاستيطاني السرطاني، أو إلغاء مشروع “إسرائيل الكبرى”، ولا يعني تخلي الدول الاستعمارية عن مكرها وتربصها ومخططاتها العدائية والعدوانية..

فالمعركة مستمرة، والجبهات مفتوحة.. ولا ينبغي الذهاب إلى فراش النوم.

وكلمتي الآن عن الجبهة العلمية وبعض متطلباتها، وواجبات العلماء والباحثين فيها..

الهيئات العُلمائية التي تناصر القضية الفلسطينية تعد بالعشرات، فضلا عن الجهود الفردية لكثير من العلماء. ولكن جهود العلماء وهيئاتهم تكاد تنحصر في هذه الأشكال الخفيفة:

  1.  الخطب والمحاضرات المعتادة،
  2. الفتاوى المتشابهة أو المتكررة،
  3. البيانات حول مجريات الأحداث..
  4. المقالات التحليلية والتحفيزية الآنية،

والجبهة التي تظل مهملة وشبه فارغة، وتحتاج منا إلى القيام عليها والإسهام في احتياجاتها هي: الثغرة العلمية البحثية.

العلماء – كغيرهم – يؤثرون الاقتصار على بذل جهود آنية فصيرة المدى، من قبيل ما سبق ذكره.. ولا يحبون العمل بنفَس طويل وصبر ثقيل، وأمد بعيد، وبمثابرة ومرابطة. مع أن هذا بالذات هو ما يتطلبه العمل العلمي والإسناد العلمي للقضية الفلسطينية. وهذا هو المطلوب الآن..

والخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي: القيام بحملات للتوعية والتحسيس والاستنهاض، لذوي العزائم والهمم، من لعلماء والباحثين والطلبة الباحثين، لكي يوجهوا عنايتهم وجهودهم إلى هذا الثغر وهذه الجبهة، وشحذُ استعداداتهم وحشد طاقاتهم، كل حسب اختصاصه ومؤهلاته وهمته..

وفيما يلي نماذج من الملفات والقضايا التي تحتاج إلى بحوث ودراسات علمية رصينة، داخل الجامعات وخارجها:

  1. إتمام ما بدأه المفكر الكبير رجاء جارودي رحمه الله حول تفنيد الأساطير والخرافات الدينية المؤسّسة للصهيونية وللسياسات الإسرائيلية، وهي أساطير وحكايات إما محرفة، أو مختلقة من أصلها، وتنسب زورا إلى التوراة والإنجيل.

ربما نصْف الشعب الأمريكي، وربما ثلث الأوروبيين، يساقون اليوم ويحركون بفعل تلك الأساطير والأكاذيب والتحريفات.. والآن أصبح حتى بعض العرب وبعض المسلمين، وبعض حكامهم، يؤمنون بها أو ببعضها، أو يتعللون بها..

  • التاريخ اليهودي “المخدوم” والمشْبع بالنظريات الصهيونية، واستغلالُه عالميا وإعلاميا، لفائدة الاحتلال، ولاستدرار العطف والتأييد له، من مختلف الدول والشعوب: مملكة سليمان الضائعة، الاضطهاد والشتات، الهولوكوست، معاداة السامية..
  • تزييف تاريخ يهود المغرب وتلميعُه، وطمس فضائحه، وهو يجري الآن تحت سمعنا وبصرنا وفي جامعاتنا، وعلى أيدي أساتذة وطلبة باحثين مغاربة، وبمنح صهيونية، مباشرة أو غير مباشرة.. وقد قطع هذا التزييف أشواطا بعيدة.. ولا مَن يتصدى له بالتفنيد العلمي، ليبطل سحره، ويقلب السحر على السحرة..

ويمكن أن يكون أول بحث حول هذا الموضوع هو: جردٌ ببليوغرافي عن البحوث والرسائل والأطروحات المنجزة في الجامعات المغربية حول يهود المغرب، بأسماء الباحثين والمشرفين عليها، وغير ذلك من المعلومات حولها..

شاركها.

أحمد الريسوني، من مواليد 1953 بإقليم العرائش، هو أحد أبرز علماء المقاصد والشريعة في المغرب. حصل على دكتوراه في أصول الفقه وشغل عدة مناصب أكاديمية، منها أستاذ بجامعة محمد الخامس ومدير مشروع "معلمة زايد". شغل سابقًا منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأسّس مركز المقاصد للدراسات والبحوث.

تعليق واحد

  1. البشير القنديلي on

    أنجز باحث في التاريخ المحلي لاسفي وضواحيها بحثا عن شخصيات يهودية آسفية، وعلاقاتها وتأثيراتها.
    وفي ذات السياق لابد من الاشادة بجهود الدكتور المسيري، وثوثيقات المقرئ الإدريسي في حلقاته المكتوبة” التطبيع إبادة حضارية” وجهود طه عبد الرحمن وغيرها للبناء عليها…، سدد الله خطاكم

اترك تعليقاً

Exit mobile version