يومه الجمعة، سألني أحد الجيران من زملاء المسجد، قائلا: أنا الآن أصبحت أقرأ الخطبة الموحدة إما يوم الأربعاء أو يوم الخميس، وأفهمها بشكل جيد، أفضل من سماعها في المسجد يوم الجمعة، فهل ذلك يكفيني، على أن آتي مباشرة لأداء صلاة الجمعة مع الإمام ومع الجماعة؟

قلت له: المصلي إذا عرض له عذر، فتأخر ولم يدرك الخطبة، ولكنه أدرك الصلاة مع الإمام، فجُمعته صحيحة. أما التخلي بصورة دائمة ومقصودة عن سماع الخطبة من الخطيب، والاقتصار على إدراك الصلاة، فهذا لا ينبغي، ولم أسمع به من قبل..

ثم قلت له: ولعل المجلس العلمي الأعلى يصدر فتواه في هذه المسألة، بناء على “الإسلام السمح”؟

قال صاحبي: ولكن ولدي بدأ يفعل هذا منذ أسابيع؟

قلت ضاحكا، وأنا أريد التخلص والانصراف: الشباب لهم اجتهاداتهم، أما الكبار فينتظرون فتوى المجلس الأعلى..

والحقيقة أن هذه الخطبة الإلزامية الموحدة، التي فرضها وزير الأوقاف، تعتبر نازلة جسيمة، كانت تستوجب صدور فتوى شافية من المجلس العلمي الأعلى، قبل إنفاذها وإلزام الناس بها..

  • فهي أولا: سابقة فريدة في تاريخ الإسلام والمسلمين والفقه الإسلامي، وكل ما أعلمه حتى الان أنها أُخذ بها، منذ سنوات فقط، في “دولة الإمارات” فقط. وهي “دولة” لا وجود لها أصلا في تاريخ الإسلام، ولا في تاريخ الفقه والعلم..
  • وهي ثانيا: تدخل في باب الشعائر والعبادات، فينطبق عليها حتما فول النبي صلى الله عليه وسلم: «… فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
  • وهي ثالثا: تلغي الخطيب وتعزله عن وظيفته الحقيقية، التي هي اختيار خطبته وإعداد مضمونها بما يناسب جمهور المصلين عنده، ويلبي حاجتهم وأسئلتهم التي يقدمونها له. فالخطيب ليس مجرد “براح”، أو مذيع، أو ساعي بريد. ولكننا للأسف أصبحنا الآن نجلس أمام خطبة بلا خطيب.

هذا مع العلم أن الخطباء الذين مُنعوا من إعداد خطبهم بأنفسهم، يتم امتحانهم وتمحيصهم وتصفيتهم ابتداء، ثم يخضعون للرقابة والتوجيه والضغط تباعا، وهم عرضة للإعفاء والإبعاد، انتهاء. فما وجه الحاجة إلى منعهم عن أداء مهمتهم، بسحب إعداد الخطبة منهم، مع الإبقاء على أشباحهم فقط؟

وأخيرا يبقى الأمر المستغرب هو: لماذا المجلس العلمي الأعلى لا يخرج للناس، ولا يتواصل مع عموم المواطنين، لتنويرهم؟ وخاصة في القضايا والوقائع المثيرة للتساؤلات والمساجلات المجتمعية؟!

وزير الأوقاف يتكلم باسم المجلس العلمي الأعلى، بل هو الناطق الرسمي باسمه..

ووزير العدل يتكلم باسم المجلس العلمي الأعلى، وخاصة في موضوع المدونة.

مع أن المجلس له أمين عام، وله كاتب عام.. وفيه عدد هائل من علماء البلاد.

شاركها.

أحمد الريسوني، من مواليد 1953 بإقليم العرائش، هو أحد أبرز علماء المقاصد والشريعة في المغرب. حصل على دكتوراه في أصول الفقه وشغل عدة مناصب أكاديمية، منها أستاذ بجامعة محمد الخامس ومدير مشروع "معلمة زايد". شغل سابقًا منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأسّس مركز المقاصد للدراسات والبحوث.

اترك تعليقاً

Exit mobile version