تضمنت ندوة “دعاوى الطاعنين في السنة النبوية في ميزان النقد العلمي” المنظمة بمدينة تازة يوم السبت 24 ماي 2024 عرضا لفضيلة الدكتور رشيد ترفاس في موضوع: ” الطاعنون في السنة النبوية شبهاتهم وردود العلماء عليهم” وفيما يلي الورقة مع التسجيل الكامل للعرض.
الورقة العلمية:

بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الطاعنون في السنة النبوية بين الماضي والحاضر اتجاهاتهم وشبهاتهم وردود العلماء عليهم
الدكتور رشيد ترفاس
الحمدلله حق حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد،
فإن السنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول الإسلام، وشقيقة القرآن الكريم في تقرير الأحكام، فهي أصله الأصيل وركنه الركين في ضبط الإجمال والتقييد والتخصيص بأدق بيان، بل إن لها أحكاما استقلت بها لا ذكر لها في القرآن، فما على المسلم إلا التسليم لها والإذعان، ولهذا أجمعت الأمة عن بكرة أبيها على أن الإيمان بها كالإيمان بوحي القرآن، كما هو في آيات كثيرة من الفرقان، كقوله تعالى:«يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول»( )، وقوله تعالى:«من يطع الرسول فقد أطاع الله»( )، وقوله تعالى:«وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»( )، وقوله تعالى:«فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسلميا»( )، وقوله تعالى:«فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم»( )، وقوله تعالى:«يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم»( ). وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة من الإعراض عن السنة وعدم تحكيمها في الأقوال والأفعال، وحذر من الذين قصروا الأحكام والشرائع على ما ورد في القرآن، وما عداها فلا حجة فيه لا في العقائد ولا في الأحكام. وقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الفرقة المارقة عن شريعة الإسلام، حيث روى المقدام بن معدي كرب رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه»( )، وعن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه»( ).
كما أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بالرجوع إلى السنة عند الاختلاف والتنازع الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بوقوعه بعد وفاته، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»( )، وعن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه»( ).
وقد أجمعت الأمة على حجية السنة كما نقله غير واحد من أهل العلم، منهم الإمام الشافعي حيث قال:«أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس»( ).
ومع كل هذا التوضيح والبيان، وما في الأدلة السابقة من الحجة والبرهان، فإن هناك من يفرق بين السنة والقرآن، ولا يوليها ما تستحقه من التوقير والتسليم والإذعان، ضاربا بعرض الحائط ما ورد في ذلك من نصوص كثيرة تقتضي من المطالع لها أن يجعل للسنة النبوية المكانة اللائقة بها في شريعة الإسلام، بل لم يقنع بذلك فأخذ معاول الهدم بشتى أنواعها لتبخيس دورها، ناسيا أو متناسيا أن الإيمان بها هو إيمان بالقرآن، وأن المعرض عنها والطاعن فيها كالطاعن في القرآن.
ومن أشهر الطاعنين في السنة قديما وحديثا؛ نجد الزنادقة والخوارج والشيعة الروافض وبعض غلاة المعتزلة ومن تبعهم من أذنابهم من الحداثيين والعلمانيين وأصحاب الهوى، فكل هؤلاء لا يألون جهدا في التنقيب عن كل ما يشهرون به ورقة الطعن، سواء على مستوى جمع السنة عموما أو جمعها في مصنفات، أو على مستوى نَقَلَتِها ورواتها، أو على مستوى دلالتها في أحكامها.
والطعن في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام فإنه وإن كانت جذوره ممتدة عبر التاريخ، إلا أنه في الآونة الأخيرة قد ازدادت حدته، وتفاقمت آثاره، خاصة عند المعاصرين من العلمانيين والحداثيين والعصرانيين؛ علما بأنهم لم يأتوا بشيء جديد ينسب إليهم حقيقة، وإلا فالذي أتوا به ما هو إلا اجترار لما قاله أسلافهم من الفرق المنحرفة مع بعض التعديلات والإضافات الطفيفة التي لا تخرج عن الأصول التي نص عليها المتقدمون من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم. ومما سهل على هؤلاء المعاصرين توسيع دائرة الطعن في السنة؛ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي حيث يسرت لهم بث سفاهاتهم وحماقاتهم، مستغلين ضعف الثقافة الدينية عند عموم الشاب، إضافة إلى إخراج هذه الضلالات بطريقة تشويقية أحيانا، وتهويلية أحيانا أخرى، حتى يسهل عليهم النفوذ إلى عقول رعاع الناس، ولهذا ففي كل مرة يطلع علينا نكرة من النكرات معتبرا نفسه أحد المنقذين للأمة مما تتخبط فيه من السخافات كما يزعم، فيريد تنوير عقولهم حسب زعمه، علما بأنه ما جاء إلا ليشكك المسلمين في عقيدتهم وشريعتهم ومصادر تلقيهم ليرضي بذلك أسياده ممن يغدقون عليه النعم.
أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في كونه يتعلق بأصل من أصول التشريع الإسلامي، وهو السنة النبوية المشرفة.
سبب اختيار الموضوع:
هو وجوب الدفاع عن السنة النبوية ضد كل الافتراءات التي يبثها أعداء الإسلام، وكشف زيفها وبيان خطورتها على المجتمع الإسلامي.
وسيرا على من تقدم من العلماء والأساتذة والباحثين، أردت أو أدلي بدلوي في هذا الموضوع، وخصصت له هذا العنوان:
الطاعنون في السنة بين الماضي والحاضر: اتجاهاتهم وشبهاتهم وردود العلماء عليهم

المبحث الأول: لمحة تاريخية لمنكري السنة النبوية
بدأت البوادر الأولى لمنكري السنة النبوية منذ حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما قال له ذو الخويصرة:«يا محمد اعدل فوالله ما عدلت منذ اليوم»( )، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن لهذا الرجل أصحابا وأتباعا على منهجه وطريقته في رد قول النبي صلى الله عليه وسلم والطعن في سنته، ولما استأذنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قتله لجرأته على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:«دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»( ).
ثم استمر الأمر على هذا النحو إلى زمان الصحابة رضوان الله عليهم، فقد روى ابن عبد البر(ت:463هـ) عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلا أتاه فسأله عن شيء فحدثه، فقال الرجل: حدثوا عن كتاب الله ولا تحدثوا عن غيره. فقال عمران بن حصين رضي الله عنه: إنك امرؤ أحمق، أتجد في كتاب الله الظهر أربعا لا تجهر فيها بالقراءة؟ ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحو هذا، ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله مفسرا؟ إن كتاب الله أبهم هذا، وإن السنة تفسر ذلك( ).
وعن الحسن بن يسار البصري(ت:110هـ) قال: بينما عمران بن حصين يحدث عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل: يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن. فقال له عمران: أنت وأصحابك يقرؤون القرآن، أكنت محدثي عن الصلاة وما فيها وحدودها؟ أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن قد شهدتُ وغبتَ أنت. ثم قال: فرض علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة كذا وكذا، وقال الرجل: أحييتني أحياك الله، قال الحسن: فما مات ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين( ).
ومثل هذا الموقف وقع لأمية بن عبد الله بن خالد الذي قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن؟ فقال ابن عمر: يا ابن أخي إن الله بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا، فإنا نفعل كما رأينا محمدا صلى الله عليه وسلم يفعل( ).
فظهر أن رد السنة النبوية كان متجذرا منذ القدم، إلا أن هناك من يردها جهلا، ومنهم من يردها عمدا، أما الجاهل فيعلم إذا سأل، لأن شفاء العي السؤال، أما المتعمد فيبين له الحق، فإن أذعن فهو ذاك، وإن أبى واستكبر فإنه يرد عليه بالعلم والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وإن أبى فإنه يشهر به حتى يحذره الناس ويحذروا من ضلالته.
المطلب الأول: الفرق المنكرة للسنة في القرون الأولى
كان إنكار السنة في بداياته مقتصرا على أفراد محدودة، وحالات معزولة، لكن مع مرور الزمن أصبح لكل فرد أتباعا، ولكل متصدر أنصارا، فتطور الوضع إلى أن أصبح المتبني لفكر إنكار السنة أو التشكيك فيها أحزابا ومذاهب وشيعا، على اختلاف نوعية إنكارها للسنة بناء على المذهب الذي تنتمي إليه، وهذا عرض موجز لبعض هذه الفرق مع بيان نوعية موقفها من السنة النبوية:
أولا: الخوارج:
هم الذين أنكروا على علي رضي الله عنه التحكيم، وتبرؤوا منه ومن عثمان وذريته وقاتلوهم، فمن أطلق العلماء تكفيرهم فهم الغلاة منهم( )، وهم قوم مبتدعون، سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم عن جماعة المسلمين( )، وكل من شاركهم في آرائهم وأفكارهم في أي زمن يسمى خارجيا( ).
وترجع بداية نشأة الخوارج كفرقة ذات اتجاه سياسي وفكر خاص حين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه بعد أن رضي بالتحكيم في موقعة صفين، والتحموا معه في معركة النهراوان( ).
وقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بخروج هذه الفرقة المارقة وحذر منها بل وحرض عليها، كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس، فقال: يا محمد اعدل، قال: «ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل»، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية»( ).
ف«الخوارج جوزوا على الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف-بزعمهم- ظاهر القرآن»( ).
وأصل موقف الخوارج من السنة راجع بالأساس إلى موقفهم من الصحابة الكرام نقلة السنة، حيث إنهم-وإن كانوا طرائق قددا- إلا أنه يجمعهم إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما( ). كما أنهم يحكمون على الأمة بالكفر خاصة من ارتكب ذنبا يرونه كبيرا، وبناء على هذا الأصل عندهم فإنهم يردون السنة لأنها رويت من قبل غير المقبولين عندهم مذهبا واعتقادا، و لا يقبلون من الحديث إلا القليل النادر الذي يوافق مذهبهم ويكون مرويا من قبل أئمتهم.
وعليه فإن الخوارج هجروا السنة النبوية وهم أجهل الناس بها؛ لأنها من طريق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كفار بزعمهم، وهم مع ذلك لا يعرف الكذب في حديثهم، لأن من أصولهم تكفير مرتكب الكبيرة، وبما أن الكذب كبيرة فلم يجرؤ أحد منهم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله قال:«لم أعثر على حديث وضعه خارجي، وبحثت كثيرا في كتب الموضوعات، فم أعثر على خارجي عد من الكذابين والوضاعين… لقد حاولت أن أعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع إلى الخوارج، ولكني رأيت الأدلة العلمية على العكس، تنفي عنهم هذه التهمة، فقد كان الخوارج –كما ذكرنا – يكفرون مرتكب الكبيرة أو مرتكب الذنوب مطلقا، والكذب كبيرة، فكيف إذا كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم»( ).
ثانيا: الشيعة
اختلفت وجهات نظر العلماء في التعريف بحقيقة الشيعة، وذلك على أقوال:
الأول: أنه علم بالغلبة على كل من يتولى عليا رضي الله عنه وأهل بيته، وهو ما أشار إليه الفيروزأبادي بقوله:«قد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا وأهل بيته حتى صار اسما لهم خاصا»( ). وهذا القول فيه نظر؛ لأن أهل السنة كذلك يتولون عليا وأهل بيته رضي الله عنهم. إذ كيف لا يتولونه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من كنت مولاه فعلي مولاه»( ).
الثاني: أنهم الذين نصروا عليا واعتقدوا إمامته نصا، وأن خلافة من سبقه كانت ظلما له. ويرد عليه ما ثبت عن بعض الشيعة من تصحيح إمامة الشيخين، وبعضهم توقف في عثمان، وتولي بعضهم لعثمان، كبعض الزيدية كما ذكر ابن جزم( ).
الثالث: هم الذين فضلوا عليا على عثمان رضي الله عنهما. ويرد عليه أن بعض الشيعة لم يكتفوا بتفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما، بل أضافوا إلى ذلك البراءة منه( ).
الرابع: أن الشيعة اسم لكل من فضل عليا على الخلفاء الراشدين قبله رضي الله عنهم جميعا، ورأى أن أهل البيت أحق بالخلافة، وأن خلافة غيرهم باطلة( ). وهو الصحيح لكونه ضبط تعريف الشيعة كطائفة ذات أفكار وآراء واعتقادات.
والشيعة طوائف متعددة، وهم ثلاث درجات كما قال ابن تيمية:«شرها: الغالية الذين جعلوا لعي رضي الله عنه شيئا من الإلهية، أو يصفونه بالنبوة، وكفر هؤلاء بين لكل مسلم يعرف الإسلام، وكفرهم من جنس كفر النصارى من هذا الوجه، وهم يشبهون اليهود من وجوه أخر.
والدرجة الثانية: وهم الرافضة المعروفون كالإمامية وغيرهم، الذين يعتقدون أن عليا رضي الله عنه هو الإمام الحق بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنص جلي أو خفي، وأنه ظُلم ومنع حقه، ويبغضون أبا بكر وعمر، ويشتمونهما، وهذا عند الأئمة سيما الرافضة، وهو بغض أبي بكر وعمر وسبهما.
والدرجة الثالثة: المفضلة من الزيدية وغيرهم، الذين يفضلون عليا على أبي بكر وعمر، ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما، ويتولونهما، فهذه الدرجة-وإن كانت باطلة-فقد نسب إليها طوائف من أهل الفقه والعبادة، وليس أهلها قريبا ممن قبلهم، بل هم إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الرافضة؛ لأنهم ينازعون الرافضة في إمامة الشيخين وعدالتهما وموالاتهما، وينازعون أهل السنة في فضلهما على علي رضي الله عنهم، والنزاع الأول اعظم، ولكنهم هم المرقاة التي تصعد منه الرافضة، فهم لهم باب»( ).
والذي يهمنا في هذه الطائفة الشيعة الإمامية الذين هم عَلَم على من دان بوجوب الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ووجوب وجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما، وساقها إلى حفيده علي بن موسى( ).
ومسألة الإمامة وإن كانت مشتركة بين فرق الشيعة في الجملة، حتى أطلق قديما لقب الإمامية عليهم جميعا( )؛ إلا أنه اشتهر عند المتأخرين علما على الشيعة الاثني عشرية خاصة( ).
أما مفهوم السنة في نظر الإمامية فإنها عندهم متسعة الدلالة، لأنها لا تقتصر عندهم على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل جعلوا أقوال أئمتهم في مرتبة واحدة مع أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد أكد هذا الزعم محمد جواد مغنية وهو أحد كتاب الشيعة حيث يقول:«فالإمامية يأخذون بكل حديث يرويه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أحد أئمتهم الأطهار، ويعتقدون أن أقوال الإمام في الشريعة هي عين أقوال جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء أسندها إليه أم أرسلها بدون إسناد، وأن الكذب والخطأ محال في حقه»( ).
بل غالى الشيعة الإمامية في أئمتهم حتى اعتقدوا أن السنة هي ما يصدر عن أئمتهم، فهي عندهم«كل ما يصدر عن المعصوم قولا أو فعلا أو تقريرا»( ).
وجعلوا الأوصياء مثل الأنبياء، حتى قال ابن بابويه المعروف بالصدوق:«نعتقد فيهم أنهم جاؤوا بالحق من عند الحق، وأن قولهم قول الله تعالى، وأمرهم أمر الله تعالى، وطاعتهم طاعة الله تعالى، ومعصيتهم معصية الله تعالى، وأنهم-عليهم السلام- لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه»( ).
وقد استمر هذا المعتقد عندهم حتى عند المعاصرين منهم، فها هو الخميني يقول:«فحجة الله هو الذي عينه الله للقيام بأمور المسلمين، فتكون أفعاله وأقواله حجة على المسلمين، يجب إنفاذها، ولا يسمح بالتخلف عنها»( ).
فتبين مما سبق أن أقوال الأئمة عندهم تشكل مصدرا من مصادر التشريع، وهي تعد جزءا من السنة تماما كأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك يعتمد الشيعة أقوال أئمتهم في إثبات العقائد والأحكام ، وهذا ما أشار إليه الخميني بقوله:«نحن نعلم أن أوامر الأئمة تختلف عن أوامر غيرهم، وعلى مذهبنا فإن جميع الأوامر الصادرة عن الأئمة في حياتهم نافذة المفعول، وواجبة الاتباع حتى بعد وفاتهم»( ).
ثم إن الشيعة ليس لهم اهتمام بنقد الرجال كما يهتم بها أهل السنة في تقويم الأسانيد صحة وضعفا، ولذلك نجد عندهم من الطوام التي يندى لها الجبين من الموضوعات والمنكرات التي تعد بالألوف نظرا لغياب علم الجرح والتعديل عندهم.
وقد اعتمد الشيعة الإمامية في الحديث على كتبهم الخاصة التي دونها علماؤهم وهي أربعة كتب متقدمة وأربعة متأخرة.
أما المتقدمة فهي:
1. كتاب الكافي للكليني
2. من لا يحضره الفقيه لأبي جعفر ابن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق.
3. الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار لأبي جعفر محمد الطوسي.
4. تهذيب الأحكام للطوسي أيضا.
أما الأربعة المتأخرة فهي:
1. الوافي لمحمد بن مرتضى المعروف بملا محسن الكاشاني.
2. بحار الأنوار لمحمد باقر المجلسي.
3. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة لمحمد بن الحسن الحر العاملي.
4. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل لحسن النوري الطبرسي.
وبما أن عمدة الشيعة الإمامية على هذه الكتب التي تقدم ذكرها، فإن كتب الحديث عند أهل السنة كالصحيحين وغيرها لا تساوي عندهم شيئا، ولا يؤمنون بما فيها؛ لأن من أصولهم سب الصحابة وغمزهم بل وتكفيرهم، وبناء عليه فالأحاديث التي جاءت من طريقهم غير مقبولة، اللهم إلا بعض الصحابة التي رأوا جواز قبول مروياتهم لأنهم ممن شايع أهل البيت كسلمان الفارسي وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود، لأنهم يعتقدون أن هؤلاء فقط هم من بقوا على الإسلام، أما غيرهم فقد ارتد، وقد روى الكشي عن أبي جعفر أنه قال:«كان الناس أهل الردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، فقلت من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي( ).
أما باقي الصحابة فإنهم عندهم متهمون بالكذب، والوضع والتزوير، فها هو الخميني يقول:«ففي الرواة من يفتري على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث لم يقلها، ولعل راويا كسمرة بن جندب يفتري أحاديث تمس من كرامة أمير المؤمنين علي عليه السلام»( ). ويقول عن أبي هريرة أيضا:«ولعل راويا لا يمتنع أن يروي آلاف الأحاديث في فضل الحكام الجائرين وحسن سلوكهم عن طريق أعوان الظلمة وعلماء البلاط»( ). وبرر غمزه في عدالة الصحابة بقوله:«مثل هؤلاء الرواة لا عدالة لهم لما بدر منهم من انحياز إلى أعداء الله وابتعادهم عن تعاليم القرآن والسنة الصحيحة»( ).
وبهذا الموقف من الصحابة فيما يتعلق بمروياتهم انعكس ذلك على المؤلفات التي جمعت أحاديثهم التي يعتمدها أهل السنة والجماعة كالصحيحين وغيرهما، فزعموا أن أحاديثهما موضوعة ومفتراة وفيها خرافات وسخافات، وقد عرض محمد جعفر شمس الدين الشيعي مجموعة من الأحاديث التي وردت في صحيح البخاري وعلق عليها بقوله:« إلى غير ذلك من الأكاذيب التي تزخر بها كتب الحديث كالبخاري ومسلم وغيرهما… ونحن لو راجعنا هذين الكتابين وغيرهما لطالعنا بشكل واضح جلي السخف والافتراء والدس في كثير من المواضيع فيها»( ).
ثالثا: المعتزلة:
هم فرقة ظهرت أوائل القرن الثاني، أسسها واصل بن عطاء(ت:131هـ)، وذلك عندما تكلم في حكم مرتكب الكبيرة فقال: إنه في منزلة بين المنزلتين، وكان في حلقة الحسن البصري، ثم اعتزله بسبب هذه المسألة، وسموا(المعتزلة). ثم تطورت عقيدتهم فأصبح لهم خمسة أصول مشهورة، وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم تفرقوا بعد ذلك إلى عدة فرق، ويسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية، وغيرها من الألقاب( ).
وقد اعتمدت هذه الفرقة على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية بسبب تأثرها ببعض الفلسفات المستوردة من اليونان مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة( )، وكانوا يظنون أن كل ما هو قادم من جهة الفلسفة موافق للعقل، وأنه يجب أن تكون العقائد الإسلامية وأصولها وفقا لتلك النظريات، فوجدوا السنة النبوية تمنعهم من هذا وتعرقل سيرهم، فذهبوا إلى إنكارها وشككوا في صحتها( )، كما أنكروا الكثير من الأحاديث الواردة في صفات الله عز وجل( )، لكن مع ذلك لم يكن من مذهبهم رد الأحاديث جملة، فكانوا مع جمهور الأمة في الأخذ بالأحاديث النبوية( ). خاصة إذا كانت موافقة للعقل كما هو الأصل عندهم. وإذا وقفوا على ما يعارض مبادئهم «من آيات يؤولونها، وما يعارضها من أحاديث ينكرونها …، ولذلك فإن موقفهم من الحديث كثيرا ما يكون موقف التشكيك في صحته، وأحيانا موقف المنكر له لأنهم يحكمون العقل في الحديث لا الحديث في العقل»( ).
فهذه أشهر الفرق المنكرة أو الطاعنة أو المشككة في السنة، وإلا فهم أكثر من ذلك.
المطلب الثاني: الفرق المنكرة للسنة في العصر الحديث
أولا: المستشرقون:
تغايرت تعريفات الاستشراق عند الباحثين نظرا لاختلاف تصورهم لحقيقته ومفهومه.
فعرفه بعضهم: «بأنه ذلك التيار الفكري الذي تمثل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي شملت حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته»( ).
وعرفه إدوارد سعيد: «بأنه أسلوب غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة صياغته وتشكيله، وممارسة السلطة عليه»( ).
واختار الدكتور أحمد عبد الحميد غراب تعريفا أكثر شمولية من التعريفات السابقة، وهو أن الاستشراق: «دراسات أكاديمية يقوم بها غربيون من أهل الكتاب للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب: عقيدة وثقافة وشريعة وتاريخا ونظما وثروات وإمكانيات بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي»( ).
وأضاف الدكتور مازن مطبقاني على تعريف أحمد عبد الحليم غراب بعض الزيادات ليشمل نطاقا أوسع مما يتصوره الباحث عن الاستشراق. فقال:«هو كل ما يصدر عن الغربيين من أوربيين (شرقيين وغربيين بما في ذلك السوفيت) وأمريكيين من دراسات أكاديمية(جامعية) تتناول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة وفي الشريعة وفي الاجتماع، وفي السياسة أو الفكر أو الفن، كما يلحق بالاستشراق كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية سواء بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو تلفاز أو أفلام سينمائية أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية، أو ما تنشره صحفهم من كتابات تتناول المسلمين وقضاياهم»( ).
وعموما فالمستشرقون هم أدمغة الحملات الصليبية الحديثة، وشياطين الغزو الثقافي للعالم الإسلامي، ظهروا في حلبة الصراع في فترة كان المسلمون فيها يعانون من الإفلاس الحضاري والخواء الروحي وفقدان الذات، مما جعل الفرصة سانحة لأولئك الأحبار والرهبان وجنود الصليبيين الموتورين كي يثأروا لهزائمهم الماضية، وينفثوا أحقادهم الدفينة( ).
وهم يلتقون مع المبشرين في الأهداف، فكلهم يهدف إلى إدخال المسلمين في النصرانية، أو رد المسلمين عن دينهم أو على الأقل تشكيكهم بعقيدتهم، كما أن من أهدافهم وقف انتشار الإسلام( ).
وبما أن الاستشراق هو المنجم الفكري الذي يمد المستعمرين بالموارد التي يسوقونها في العالم الإسلامي لتحطيم عقيدته وهدم ثوابته، كانت دراساتهم تعتمد بالأساس على الأحاديث الضعيفة والباطلة والمكذوبة مع غض الطرف عما صح من الأحاديث، فضلا عن تحريف النصوص ونقلها نقلا مشوها وعرضها عرضا مبتورا، كما كانوا يعمدون إلى تحريف الفهم للنصوص التي لا يجدون إليها سبيلا؛ كل ذلك من أجل تشكيك المسلمين بمصدرهم الثاني من مصادر التشريع.
أما طعنهم في السنة فانصب في بدايته على تحريف معنى السنة، مخالفين بذلك ما عليه العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين، فجولد تسيهر مثلا يرى أن السنة «هي جوهر العادات وتفكير الأمة الإسلامية قديما، وتعد شرحا لألفاظ القرآن الغامضة التي جعلتها أمرا عمليا حيا، فهي العادة المقدسة والأمر الأول»، ويقول أيضا:«ما من أمر أو فعل يوصف عندهم بالفضل أو العدالة إلا إذا كان له أصل في عاداتهم الموروثة أو كان متفقا معها، وهذه العادات التي تتألف منها السنة تقوم عندهم مقام القانون أو الديانة، كما أنهم كانوا يرونها المصدر الأوحد للشريعة والدين، ويعدون اطراحها خطأ جسيما، ومخالفة خطيرة للقواعد المعروفة والتقاليد المرعية التي لا يصح الخروج عليها، وما يصدق على الأفعال يصدق أيضا على الأفكار الموروثة، والجماعة يتحتم عليها ألا تقبل في هذا المجال شيئا جديدا لا يتفق مع آراء أسلافها الأقدمين.
ثم أضاف قائلا بأن فكرة السنة يمكن إدراجها بين الظواهر التي سماها سْبَنْسِر ب«العواطف القائمة مقام غيرها»، وهي النتائج العضوية التي جمعت بيئة من البيئات خلال الأجيال والأحقاب، والتي تركزت وتجمعت في غريزة وراثية تتألف منها الصفة أو الصفات التي توارثها أفراد هذه البيئة( ).
وأخذ المستشرق شاخت عن جولد تسيهر أفكاره السابقة فقرر أن السنة هي النظائر السابقة، فيقول:«إن النظرية الكلاسيكية للفقه الإسلامي تعرف السنة بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم المثالية، وفي هذا المفهوم يستعمل الشافعي كلمة السنة، وعنده أن السنة أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كلمتان مترادفتان، لكن معنى السنة-على وجه الدقة- إنما هو النظائر السابقة ومنهج للحياة»( ).
وبهذا يعتبر المستشرقون السنة ما هي إلا عادات وتقاليد موروثة صبغت بالصبغة الشرعية، كما يدرجونها ضمن الظواهر والنتائج التي تنخلت من بيئة من البيئات خلال جيل من الأجيال، وإذا كانت السنة كما يزعون فلن تكون لها حرمة ولن تكون لها قدسية لكونها نتائج، والنتائج لا اعتبار لها لكونها قابلة للتغيير والتبديل.
ثانيا: القرآنيون:
هم فرقة من الفرق المعاصرة التي تنادي باتخاذ القرآن الكريم مصدرا وحيدا للتشريع الإسلامي، ونبذ السنة النبوية الشريفة معتبرينها سبب وقوع الخلاف بين المسلمين.
ويسمون في بعض البلاد(أهل القرآن-أهل الذكر) وحقيقتهم عقلانيون حداثيون في ثوب قرآني.
وهؤلاء يعتقدون أن السنة النبوية ليست حجة في التشريع، وأن الله تعالى أوحى بكتاب واحد لا يجوز العدول عنه، وأن هذا الكتاب يكفي جميع العباد فيما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم، دون الرجوع إلى الأحاديث التي دونها المحدثون. وهذا ما كان يصدح به الدكتور أحمد صبحي منصور حيث يقول:«ولو تدبرنا كلام الله العزيز في القرآن الكريم لتأكدنا أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينبغي أن يتمسك به المسلم دون غيره، ولتأكدنا أن القرآن الكريم ليس محتاجا لهذه الكتب البشرية، فالقرآن الكريم ما فرط في شيء ونزل تبيانا لكل شيء وجاءت به تفصيلات كل شيء»( ).
أما شبههم فهي مأخوذة بالأساس من كتب المعتزلة والمستشرقين، وهي تدور حول:
1-عدم كتابة الحديث في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الخلفاء الأربعة.
2-إن الصحابة أدركوا حقيقة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة سنته لذلك نهوا عن كتابتها.
3-إن الأحاديث جمعت أول مرة بعد مائة سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد فقدت تلك المجموعات ثم جمعت من أفواه الناس في القرن الثالث.
4-إن الأحاديث الموضوعة اختلطت بالأحاديث الصحيحة اختلاطا لا يمكن بعده التمييز بين الصحيح والموضوع.
5-إن المعايير التي اختارها المحدثون لنقد الحديث لم تكن كافية لمعرفة الصحيح من المغشوش، لأنها كلها تدور حول نقد السند ورجاله، أما المتن فلم يحظى باهتمام المحدثين( ).
ثالثا: العصرانيون:
العصرانية هي وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم العلمي والثقافة المعاصرة يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية، على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة، فالعصرانية هي الحركة التي سعت إلى تطويع مبادئ الدين لتتلاءم مع قيم الحضارة الغربية ومفاهيمها، وإخضاعه لتصوراتها ووجهة نظرها في شؤون الحياة( ).
وهي أيضا:«مذهب جديد بدأ في مطلع هذا القرن، قرن بين الهزيمة والضياع، وهو في جوهره إحياء لآراء الخوارج والمعتزلة، تولى أمره رجال أريد لهم الصدارة في المكان، والرواج في الفكر، يندر أن تعرف أحدهم دون أن تحس منه بشعور من يظن أنه مجدد وأنه لم يسبق إلى فكره»( ).
والعصرانية في الدين هي:«أي وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم العلمي والثقافة المعاصرة يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة»( ).
ويعتبر سيد أحمد خان(1817-1898م) رائد تيار العصرانية في العالم الإسلامي، لأنه لأول رجل نادى بضرورة إخراج تفسير جديد يجاري التقدم والحداثة.
أما موقفه من السنة فإنه كان يرى عدم الاعتماد على الأحاديث لما يحوم حولها من شكوك في ثبوتها، وبين ذلك بقوله:«ظلت الروايات بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تتناقل على الألسنة إلى عهد التصنيف في الكتب المعتمدة، غير أننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن الكيفية التي دونت بها تلك الكتب، التي كان مبناها روايات الذاكرة… والبعد الزمني كفيل بمزج الزائد بها وإضافة الجديد إليها»( ). كما اعتبر أن السنة لم تدون في العهد النبوي، بل دونت في القرن الثاني من الهجرة في عصر مضطرب بالصراعات السياسية والاختلافات الدينية، مما كان له أثره في كثرة الأحاديث الموضوعة( ).
وقد أنتج لنا سيد أحمد تلميذا مطواعا، وهو خان جراغ علي(1844-195) الذي تخرج من هذه المدرسة، وأصبح يلوك ما يقوله سيده، ولهذا كان موقفه من السنة كموقف سلفه حذو النعل بالنعل، ومما قاله في هذا المقام:«إن المحققين الذين جمعوا الأحاديث وميزوا بين سقيمها وصحيحها صرحوا بأن الحديث مهما قوي سنده لا يمكن الاعتماد عليه، وما ذكر فيه غير حتمي قطعا، فلو أمعنا النظر في هذه الحقيقة لاضطررنا أن نقول: إن معايير الصدق والأصول العقلية لا حاجة لإقامتها لتمييز الحديث؛ لأن الحديث في حد ذاته شيء لا يمكن الاعتماد عليه، ولا اعتبار لما يتحدث عنه»( ).
ومن بين رموز هذا الاتجاه نجد جمال الدين الأفغاني(1839-1897م)، ومحمد عبده(1849-1905م)، والذي كان نسخة ثانية عن أحمد خان في الهند، والشيخ محمد رشيد رضا(1865-1935م)، لكنه كان لم يكن منكرا للسنة أو مشككا فيها كسلفه، بل كان من القائلين بحجيتها، بل إنه نذر قلمه للدفاع عنها، ولهذا فإن معظم آرائه لا تخرج عن جمهور الأئمة إلا في بعض الخرجات، منها استنباطه من حديث النهي عن كتابة السنة وعدم كتابة الصحابة لها أنهم لم يريدوا أن تكون السنة دينا عاما دائما كالقرآن؛ إذ لو كانت كذلك لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابتها، ولجمع الراشدون ما كتب، وضبطوا ما وثقوا به، وأرسلوه إلى عمالهم ليبلغوه ويعملوا به( )، كما اعتبر عدالة الصحابة أغلبية وليست مطردة( )؛ وعلل ذلك بأنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم منافقون، واستدل على ذلك بقوله تعالى:«وممن حولكم من الأعراب منافقون، ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم، نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم»( )، وقوله تعالى:«ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم، ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم»( ).
كما رد مجموعة من الأحاديث الواردة في أشراط الساعة والدجال والجساسة، والمهدي، ونزول عيسى عليه السلام، وانشقاق القمر، وسحر النبي صلى الله عليه وسلم، وسجود الشمس تحت العرش، وعجب الذنب، ومس الشيطان لبني آدم، وشق صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه، وربا الفضل، وشرطية فقد الماء للمسافر للتيمم، وتحريم الحمر الأهلية والسباع والطيور المفترسة فإنه قد رفضها كلها( ).
وممن جاء على شاكلة من تقدم نجد الدكتور توفيق صدقي، المتوفى سنة 1920، وهو وإن لم يكن من أهل الاختصاص في العلوم الشرعية، وإنما هو طبيب مصري، إلا أنه مع ذلك حشر أنفه هو الآخر، وجاء ليتمم ما بدأه أسلافه، فنشر مقالين في مجلة المنار( ) بعنوان:«الإسلام هو القرآن وحده»، مستبعدا حجية السنة، وأن الإسلام هو القرآن وحده، وهذا ما كان يتبناه القرآنيون، فاستدل بأدلتهم، كقوله تعالى:«ما فرطنا في الكتاب من شيء»( )، وقوله تعالى:«إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»( )، وقوله تعالى:«ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء»( ).
ومما قاله أيضا بأن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها كما تكفل بحفظ القرآن، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها لا أن ينهى عن ذلك، ومما زعمه الدكتور صدقي أن السنة كانت خاصة بمن كان في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها لو كانت عامة لجميع البشر لبذلوا الوسع في ضبطها، ولتسابقوا في نشرها بين العالمين، ولما وجد بينهم متوان أو متكاسل، كما زعم أن عدم كتابة شيء من الأحاديث إلا بعد عهده صلى الله عليه وسلم بمدة كاف في حصول التلاعب والفساد الذي حصل( ). ويقول:«عدم إرادة النبي صلى الله عليه وسلم لأن يبلغ عنه للعالمين شيء بالكتابة سوى القرآن المتكفل بحفظه في قوله:«إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»( )، ولو كان غير القرآن ضروريا في الدين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقييده وكتابته، ولتكفل الله بحفظه، ولما جاز لأحد روايته على حسب ما أداه إليه فهمه»( ).
رابعا: العقلانيون
العقلانية اسم يطلق على ذلك التوجه الفكري الذي يسعى إلى التوفيق بين نصوص الشرع وبين الحضارة الغربية والفكر الغربي المعاصر، وذلك بتطويع النصوص وتأويلها تأويلا جديدا يتلاءم مع المفاهيم المستقرة لدى الغربيين، ومع انفجار المعلومات والاكتشافات الصناعية الهائلة في هذا العصر، وتتفاوت رموز تلك المدرسة تفاوتا كبيرا في موقفها من النصوص، سواء كانت نصوص العقيدة أو نصوص الأحكام أو الأخبار المحضة وفي رد ما يستعصي من تلك النصوص على التأويل( ).
وقد تسرب الفكر العقلاني لبلاد المسلمين منذ الحملة الاستعمارية لبلاد المسلمين طمعا في خيراتها، فعمل المستعمر على بث أفكاره وقيمه لتشويه الإسلام ومفاهيمه، ولم يتصالح معه قط، أو حاول فهمه بنزاهة، بل تعامل معه من خلال ما اختزنه عقله وتجربته مع دينه وكنيسته، فكانت الكنيسة سدا بين أوربا والتقدم، فهدموا الكنيسة وهدموا الدين، وذلك بفصل الدين عن الدولة، فظن البعض أن الإسلام والمسجد عند المسلمين كالنصرانية والكنيسة، وبذلك فقد تبعهم ضعاف القلوب ومتدني العقول، فأصبح المسلمون ألعوبة بأيديهم، فحاربوا الدين بأبناء جلدتهم، فهال الأمر علماء المسلمين، وذهبوا يردون على تلك الأفكار، وحاول آخرون التوفيق بين الدين والعلم، وبينوا للناس أن الدين الإسلامي الحق لا يحارب العلم ولا ينافي العقل، وأنه دين العقل والحرية والفكر، وأن الدين الإسلامي قائم على العقل، وأن ليس فيه ما لا يقره العقل، وفسروا القرآن على هذا المنهج والأساس، وبينوا بأن هذا لا يتم إلا بفهم جديد للحديث النبوي أيضا وفق المنهج المذكور( ).
وقد استعمل العقلانيون مناهج لتمحيص الأخبار كلها تصب في واد واحد وهو ميزان العقل، علما بأن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله:«كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، لكن كثيرا من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا»( ).
ولما أكبر العقلانيون العقل قدموه على النص ولو كان صحيحا، وجعلوا العقل مصدرا للتلقي مقدما في الاستدلال على الكتاب والسنة، أضف إلى ذلك أنهم استباحوا الخوض في أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله تعالى وليس للعقل القدرة على تصورها فضلا عن الحكم عليها، ولهذا شككوا في صحة الأحاديث وبخاصة أحاديث الصحيحين، ناهيك عن التشكيك في تدوين السنة النبوية إلى غير ذلك من أنواع الطعن.
كما ردوا أحاديث كثيرة بدعوى أنها أخبار آحاد لا تفيد اليقين، وعليه فلا تبنى عليها المعتقدات، ولهذا أنكروا سحر النبي صلى الله عليه وسلم، ونزول عيسى عليه السلام.
كما لم يفتهم القدح في عدالة الصحابة التي أجمع عليها العلماء، ولذا شككوا في عدالتهم، واعتبروا أن ما يجري على الرواة من نقد لابد أن يطبق كذلك على الصحابة. قال محمود أبو رية:«إنهم-أي العلماء- قد جعلوا جرح الرواة وتعديلهم واجبا تطبيقه على كل راو مهما كان قدره، وأنهم قد وقفوا دون عتبة الصحابة، فلم يتجاوزوها، إذ اعتبروهم جميعا عدولا لا يجوز عليهم نقد، ولا يتجه إليهم تجريح، ومن قولهم في ذلك:«إن بساطهم قد طوي»، ومن العجب أنهم يقفون هذا الموقف على حين أن الصحابة أنفسهم قد انتقد بعضهم بعضا»( ).
خامسا: الحداثيون
الحداثة هي محاولة صياغة نموذج للفكر والحياة يتجاوز الموروث ويتحرر من قيوده(ثوابته) ليحقق تقدم الإنسان ورقيه بعقله ومناهجه العصرية الغربية لتطويع الكون لإرادته واستخراج مقدراته للخدمة( ).
نشأ الفكر الحداثي في العالم الإسلامي بواسطة البعثات التي عادت من أوربا، أو الذين انطلقوا من أنفسهم يطلبون العلم هناك أو يهاجرون لطلب الرزق في أوربا وأمريكا، وبهذا استمرت الحداثة تتفشى في المجتمع العربي المسلم، فاستطاع أصحابها بمساعدة الأجانب والمغفلين من أمتنا والمنافقين أن يخدعوا الرأي العام ويسوقوه للمساهمة في الجريمة وهي فتح الباب للجيوش الغازية المحتلة في فرحة النصر البلهاء، ومضت الحداثة تشق الطريق ويمشي رجالها يحتلون كل يوم موقعا جديدا في أرض الإسلام، فتجرد بذلك المرأة من ثيابها وحجابها وخلقها وحيائها في بلاد الإسلام، وترميها في لهيب الفتنة تحرق وتحترق، فتصبح المرأة عاملا مشاركا في نمو الفكر الحداثي وتنفيذ الجريمة بين تصفيق المجرمين والمغفلين الذين استعملهم الغرب لتجسيدهم في مخططاتهم الداعية إلى هدم المجتمع الإسلامي، وهكذا كانت الحداثة جزءا من فتنة كبرى دخلت العالم الإسلامي من أبواب الفكر والأدب والسياسة والإعلام( ).
ومن أعلام هذه المدرسة نجد حسن حنفي، ومحمد أركون، ومحمد شحرور وغيرهم، وهؤلاء لهم منهج خاص في قبولهم الأخبار، فهذا حسن حنفي يقول:«لا يعتمد على صدق الخبر سندا أو متنا، وكلاهما لا يثبتان إلا بالحس والعقل طبقا لشروط التواتر، فالخبر وحده ليس حجة ولا يثبت شيئا على عكس ما هو سائد في الحركة السلفية المعاصرة على اعتمادها المطلق على “قال الله” و”قال رسول الله” واستشهادها بالحجج النقلية وحدها دون إعمال الحس والعقل، وكأن الخبر حجة، وكأن النقل برهان، وأسقطت العقل والواقع من الحساب في حين أن العقل أساس النقل»( ).
أما محمد أركون فذهب إلى أبعد من ذلك، فقد وصل به الأمر إلى الطعن في علوم الحديث نفسها، مع اقتراحه إعادة النظر فيها والعمل على تعديلها على أساس الواقع المعاصر، ولهذا قال:«إن أئمة الحديث شعورا منهم بالوضع، قد وضعوا علما لنقد الحديث … ولم يكن هناك تناول كلي لمدونات الحديث، ويفترض مقابلة منهجية لجميع الإسنادات، وجميع النصوص المروية في المدونات الثلاث-ويقصد الصحيحين عن السنة، وكافي الكليني عن الشيعة، والجامع الصحيح للربيع بن حبيب عن الخوارج- إعادة النظر في مسألة الصحة بوسائل البحث الحديثة(الحاسوب) وبالنقد التاريخي»( ).
أما محمد شحرور فيشكك في أصحية الصحيحين بعد كتاب الله وقال:«يقولون صحيح مسلم وصحيح البخاري، ويقولون أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله، ونقول نحن: هذه إحدى أكبر المغالطات التي مازال المؤسسات الدينية تكره الناس على التسليم بها تحت طائلة التكفير والنفي، فالصحة في كتاب الله حقيقية، أما صحة الأحاديث فمجازية تواضع أهل المؤسسة الدينية على تسميتها، فالصحة نسبية إن ثبتت عند أحدهم نفاها الآخر»( ).
كل هذه الفرق أو المدارس التي تقدمت نلاحظ أنها متشابهة إلى حد ما في شبهاتهم التي أثاروها حول السنة النبوية وما هي إلا امتداد للفرق المتقدمة من الخوارج والمعتزلة والشيعة الإمامية وغيرهم، وهذا على حد قول الله تعالى:«أتواصوا به» فكأن بعضهم يوصي بعضا بهذه الشبهات، وما على المتأخر إلا قبول ما جاء به المتقدم مع زيادات أو تعديلات في الشبهة المثارة حتى تجد الآذان الصاغية والقلوب الواعية، والذي سهل عليهم هذا الاقتحام هو ضعف التكوين العلمي، وإلا فلو كان ثمة علم لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه، لكن بحمد الله قد تصدى لهذه الفرق أو المدارس مجموعة من الأعلام لبيان زيفهم وكشف عوارهم حتى يحذرهم الناس، فلله الحمد والمنة.
المبحث الثاني: أشهر شبهات الطاعنين في السنة النبوية وردود العلماء عليهم
المطلب الأول: أشهر شبهات الطاعنين في السنة
لاشك أن الطاعنين في السنة النبوية قد اعتمدوا مجموعة من الشبهات التي بموجبها خلصوا إلى رد هذا الأصل العظيم، وهذه الشبهات بعضها يتعلق بمناهج النقد للحديث النبوي، وبعضها متعلق بجمع السنة أساسا، وبعضها متعلق بدلاتها على العقائد والأحكام، وبعضها متعلق بكون السنة تخالف القرآن أو تخالف العقل-زعموا- وقد رسمت كل طائفة من الطوائف أصولا اعتمدوها ليصفوا لهم ما أرادوا، وهذه بعض الشبهات نوردها تباعا مع الجواب عنها.
أولا: إعادة النظر في منهج النقد للأحاديث النبوية:
يأتي الدكتور أحمد أمين على رأس العقلانيين المعاصرين الذين نادوا بضرورة تدشين منهج آخر للحكم على الأحاديث النبوية بدلا من علم الجرح والتعديل، وهو ما يعبر عنه بالمنهج النقدي التاريخي الذي يركز على إعادة زرع مضامين الأحاديث في البيئة أو البيئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليرى إن كان ثمة توافق أو تنافر مع ثوابت ومتغيرات طبائع العمران البشري في البيئة أو البيئات التي قيل فيها الحديث أو عاش فيها الراوي. ونحوه قول أركون :«إن أئمة الحديث شعورا منهم بالوضع، قد وضعوا علما لنقد الحديث … ولم يكن هناك تناول كلي لمدونات الحديث، ويفترض مقابلة منهجية لجميع الإسنادات، وجميع النصوص المروية في المدونات الثلاث-ويقصد الصحيحين عن السنة، وكافي الكليني عن الشيعة، والجامع الصحيح للربيع بن حبيب عن الخوارج- إعادة النظر في مسألة الصحة بوسائل البحث الحديثة(الحاسوب) وبالنقد التاريخي»( ).
إن هذا الذي جاء به هؤلاء وأضرابهم لا يخرج عما سطره لهم أسيادهم من المستشرقين، فعطلوا بذلك عقولهم التي يتبجحون بها وسلموها لهؤلاء تسليما مطلقا، يبثون فيها ما شاؤوا من الأفكار والمواقف ولو على حساب الدين والشريعة، وهذا هو الطابع العام لكل من طعن في السنة عموما.
أما ذكروه من ضعف منهج النقد عند المحدثين وعدم صلاحيته لغربلة السنة وكشف الزائف منها قد نادى به غير واحد من المستشرقين، حتى زعم جب-وهو السير هاملتون- أن ما قام به المحدثون من جهود تجاه السنة المدونة هو عبث لقلة حذرهم وتدقيقهم( ).
فالظاهر أن هؤلاء لم يكونوا منصفين حتى في نقدهم، ولاشك أن الاختلاف في الدين والعقيدة والمنهج سيكون له الأثر السيء في قراءة الفكر الإسلامي عموما، حيث لا يمكن لمن يحاربك نهارا جهارا أن يسلم لك أفكارك وآرائك ومناهجك، وإلا فالمسلمون لا يشكون أبدا في هذا المنهج بل يعتبرونه عصارة ما انتجه العقل العربي المسلم، ولهذا يقول الدكتور عجاج الخطيب:«إن وجهة نظر النقاد المسلمين مبنية على القواعد والأصول التي وضعوها في نقدهم، وقد رأينا دقتها وعرفنا قيمتها، فمن الطبيعي أن تختلف عن وجهة نظر النقاد الأجانب، الذين لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون الإيحاء إليه، فنحن مختلفون معهم من نقطة البداية، لأن كثيرا من الأحاديث التي تتناول العقائد والغيبيات سلمنا بصحتها بعد التحقيق العلمي، وسلمنا بكل ما جاء فيها لأنها عن الصادق المصدوق، فاختلاف وجهة نظرهم لا يضيرنا ما دمنا قد سلكنا في نقدنا وبحثنا أسلم طرق البحث العلمي وأدقها، وقد شهد لنا بذلك المنصفون منهم»( ). ويوضع الدكتور محمد الأعظمي فيقول:«ففي الواقع كان معيار المحدثين دقيقا شديدا. فما كانوا يقبلون شيئا نظيفا إلا من يد نظيفة، لذلك كانوا ينظرون أولا إلى الرواة، فإذا ثبت فيهم الضعف رموا بالحديث ولم يقبلوه ولو كان المتن صحيحا، لأنه يجب في نظرهم لقبول الرواية أن يكون شطرا الرواية: الإسناد والمتن كلاهما صحيحين، ولا يكفي صحة أحدهما لقبولها»( ).
وقال الدكتور مصطفى السباعي:«لا يستطيع من يدرس موقف العلماء-منذ عصر الصحابة إلى ان تم تدوين السنة- من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السنة وتمييز صحيحها من فاسدها، إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه، وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا رحمهم الله، هم أول من وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تفاخر به الأجيال وتتيه به الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واصع عليم»( ).
ثانيا: رد السنة بدعوى معارضتها للقرآن الكريم
يذهب البعض إلى رد السنة بدعوى معارضتها للقرآن الكريم، بمعنى أن المعيار في الدين هو القرآن الكريم، وعليه فما ورد في السنة لابد من عرضه على القرآن، فإن وافقته فهي حجة، وإن لم توافقه أو خالفته وجب ردها واعتبارها مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استدلوا على هذا الهراء ما ورد في بعض الاحاديث الدالة على ضرورة عرض السنة على القرآن، مثل:
1-حديث«إن الحديث سيفشوا عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس مني».
2-حديث:«إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه»، وفي لفظ:«لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله، ولا أحرم إلا ما حرم الله».
3-حديث:«إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه قلته أو لم أقله فصدقوا به، فإني أقول ما يعرف ولا ينكر، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه قلته او لم أقله فلا تصدقوا به، فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف».
4-حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أفريضة الوضوء من القيء؟ قال:«لو كان فريضة لوجدته في القرآن».
فدلت هذه الأحاديث-بزعمهم- ضرورة عرض السنة على القرآن، فما وافقها أخذ به، وما لم يوافقها فإنه يرد.
والجواب عن هذه الأحاديث إجمالا؛ أنها أحاديث ضعيفة واهية من وضع الزنادقة والخوارج كما قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله( )، وعليه فلا حجة فيها على ما زعموا.
أما تفصيلا، فإن الحديث الأول أخرجه الدارقطني في سننه( )، وقال:«صالح بن موسى ضعيف لا يحتج به»، ثم أخرجه من طريق أخرى( ) لكن فيها جبارة بن المغلس. قال العظيم آبادي في التعليق المغني على الدارقطني:«جبارة بن المغلس ضعفه ابن معين، وقال البخاري: مضطرب الحديث»( ).
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير( ). قال الهيثمي في مجمع الزوائد:«يزيد بن ربيعة متروك منكر الحديث»( ).
وله طريق أخرى عند الطبراني في المعجم الكبير( )، وفيه أبو حاضر، قال الهيثمي:«أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه وهو منكر الحديث»( ).
فكما تقدم فإن طرق هذا الحديث كلها لا تخلو من مقال، ولهذا قال ابن حزم بعد ذكره لروايات وطرق هذا الحديث:«منها ما هو متهم بالزندقة أو كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه، أو مجهول، أو ضعيف، ومنها ما هو مرسل، ومنها جمع بينهما»( ).
وقال البيهقي:«الحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل لا يصح، وهو ينعكس على نفسه بالبطلان، فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن»( ).
وقال أحمد شاكر رحمه الله:«هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن، بل وردت فيه ألفاظ كثيرة، كلها موضوع، أو بالغ الغاية في الضعف، حتى لا يصلح شيء منها للاحتجاج أو الاستشهاد»( ).
أما الحديث الثاني فأخرجه الشافعي في الأم( )، من طريق يحي بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير الليثي رضي الله عنه، وهو مرسل، لأن عبيدا الليثي عداده في التابعين كما قال ابن حجر في تقريب التهذيب( ).
وأخرجه الشافعي أيضا في الأم( )، من طريق ابن عيينة عن طاووس، وهو أيضا مرسل.
وأخرجه ابن عدي في الكامل( )، من طريق علي بن عاصم عن يحي بن سعيد، عن ابن أبي مليكو، عن عائشة رضي الله عنها. قال ابن عدي:«تفرد به علي بن عاصم عن يحي بن سعيد» ثم بين نكارة حديثه ثم قال:«سائر أحاديثه يشبه بعضها بعضا، والضعف بين على حديثه»( ).
وقال الذهبي:«كان من أهل الدين والصلاح والخير البارع، كان شديد التوقي، أنكر عليه كثرة الغلط والخطأ مع تماديه على ذلك»( ).
أما الحديث الثالث فأخرجه الدارقطني في سننه( )، وابن عدي في الكامل( ) من طريق يحي بن آدم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.
قال ابن أبي حاتم:«قال أبي: هذا حديث منكر، والثقات لا يرفعونه»( ).
وقال البيهقي:«قال ابن خزيمة: في صحة هذا الحديث مقال، لم نر في شرق الأرض ولا غربها أحدا يعرف خبر بن أبي ذئب من غير رواية يحي بن آدم، ولا رأيت أحدا من علماء الحديث يثبت هذا عن أبي هريرة، قال البيهقي: وهو مختلف على يحي بن آدم في إسناده ومتنه اختلافا كثيرا يوجب الاضطراب، منهم من يذكر أبا هريرة ومنهم من لا يذكره ويرسل الحديث»( ).
أما الحديث الأخير فأخرجه الدارقطني في سننه( ) من طريق عتبة بن السكن الحمصي عن الأوزاعي عن عبادة بن نُسي وهبيرة بن عبد الرحمن، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان رضي الله عنه.
قال الدارقطني:«لم يروه عن الأوزاعي غير عتبة بن السكن، وهو منكر الحديث».
فتبين مما سبق أن كل هذه الأحاديث واهية ولا نصيب لها من الصحة، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الجهل المركب الذي وقع فيه هؤلاء، فكيف يطعنون في السنة وهم لا علم لهم لا بقواعد علم الحديث، ولا بأصول الرواية، والله المستعان.
ثالثا: الاستغناء بالسنة عن القرآن
ذهب البعض إلى أن القرآن كاف شاف للأمة دون الاستعانة بالسنة، ومنشأ كلامهم هذا راجع إلى اعتمادهم على مجموعة من الآيات القرآنية التي أفردت القرآن بالإحاطة والبيان والتفصيل، كقوله تعالى:«ما فرطنا في الكتاب من شيء»( )، وقوله تعالى:«ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء»( )، وقوله تعالى:«وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا»( )، وقوله تعالى:«كتاب فصلت آياته»( )، وقوله تعالى:«ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون»( )، وقوله تعالى:«أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم»( ).
فهذه الآيات حق، ودلالاتها صدق، لكن الذي تكلم بها هو الذي خول للنبي صلى الله عليه وسلم التفصيل والبيان، كما في قوله تعالى:«وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم»( ). فهذه الآية دلت دلالة صريحة أن الله عز وجل الذي أجمل ما في القرآن هو الذي أوكل البيان لرسوله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي قال لنا:«وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا»( )، وهو قال لنا:«وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا»( ).
وقد دحض الإمام الشافعي رحمه الله هذه الشبهة فقال:«ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها»، ثم ذكر الآيات العديدة، ومنها قوله تعالى:«ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء»( )، ثم قال:«والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع»، ثم وضح ذلك فقال:«والبيان من وجوه:
1-منها ما أبانه لخلقه نصا، مثل إجمال فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما.
2-ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه، مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من الفرائض.
3-ومنها ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس لله فيه نص محكم، وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى حكمه، فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل.
4-ومنها ما قرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم»( ).
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله:«السنة راجعة في معناها إلى الكتاب، فهي تفصيل مجمله، وبيان مشكله، وبسط مختصره … والاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة، إذ عولوا على ما بنيتَ عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء، فاطرحوا أحكام السنة، فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة، وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله … ولقد ضلت بهذه الطريقة طوائف من المتأخرين….، والقول بها والميل إليها ميل عن الصراط المستقيم، أعاذنا الله من ذلك بمنه»( ).
رابعا: عدم اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة في حياته ونهيه عن كتابتها
مما يثار حول السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابتها في حياته، ولتقوية هذا الزعم عمدوا إلى مجموعة من الأحاديث التي ورد فيها النهي عن كتابة السنة كحديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا:«لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه»( ).
والجواب عن هذا الحديث أنه تم بالفعل النهي عن كتابة السنة في أول الإسلام خشية اختلاط القرآن بالسنة، ثم نسخ هذا النهي حين أمنت هذه الخشية ثم ورد الإذن بكتابة السنة، وهذا الذي عليه جمهور العلماء، ومما يؤيد هذا القول ورود مجموعة من الأحاديث تدل على كتابة السنة في عهده صلى الله عليه وسلم، منها حديث أبي هريرة قال:«لما فتحت مكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس، قال: فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه، فقال: يا رسول الله اكتبوا لي، فقال صلى الله عليه وسلم:«اكتبوا لأبي شاه» يعني الخطبة( ).
وعن أبي هريرة قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب( ).
وعن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أحفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه، وقال:«اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق»( ).
وقد حاول العلماء الجمع بين ما ورد في النهي وما ورد من الأذن، وعليه فالجمع بينهما أن النهي خاص في وقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن في غير ذلك، أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد، والإذن في تفريقهما، أو أن النهي متقدم والإذن ناسخ عن الأمن من الالتباس، وهو أقربها مع أنه لا ينافيها، وقيل: النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أمن منه ذلك( ).
خامسا: مخالفة بعض الأحاديث للعقل
هذه من إحدى الكبر الذي يتبجح بها الطاعنون في السنة، وهو أن هناك أحاديث لا يتصورها العقل، ولهذا كان مصيرها الرد وإن كانت في الصحيحين، من ذلك حديث:«من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»( )، وحديث:«طهور إناء احدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب»( )، وحديث:«سيحان وجيحان والفرات والنيل كلها من أنهار الجنة»( )، وحديث:«لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر»( )، وحديث:«تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي ان يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطتهم وغرتهم، قال الله للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال لنار: إنما انت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحد منكما ملؤها»( ).
وقد أجاد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في الرد على هؤلاء وأمثالهم فقال:«حكاية عرض الحديث على العقل حكاية قديمة نادى بها بعض المعتزل وطبقها فعلا، فرفض كل حديث لا يرتضيه عقله، ونادى بها المستشرقون حديثا، وتابعهم فيها جماعة من أذيالهم من المسلمين الذين تتلمذوا على أيديهم، وضربوا لذلك أمثلة من الأحاديث الصحيحة، وهي في رأيهم غير مقبولة للعقل.
وهذه الدعوى تبدو مقبولة لدى كثير من المثقفين، لكنها-عند التدقيق- لا تنتج شيئا في علوم الشريعة، بل لا تنتج إلا الفوضى في قبول الأحاديث ورفضها.
إذ ما هو العقل الصريح الذي يريده هؤلاء؟ وما حدوده؟ وما مدى الاتفاق عليه؟
لئن كانوا يريدون من العقل الصريح ما يقبله العقل من بديهيات الأمور فهنا أمر واقع في تاريخ السنة، فقد وضع أئمة النقد من علماء الحديث علامات لمعرفة الحديث الموضوع، منها: أن يكون متنه مخالفا لبداهة العقول، وللمقطوع به من الدين أو التاريخ أو الطب أو غير ذلك، وعلى هذا نفوا آلافا من الأحاديث وحكموا عليها بالوضع.
ولكن كانوا يريدون غير هذا مما يستغربه العقل، فإن استغراب العقل أمر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مما لا يضبطه ضابط ولا يحدده مقياس، وكثيرا ما يكون الشيء مستغربا عند إنسان، طبيعيا عند إنسان آخر، ولا يزال الذين سمعوا بالسيارة في بلادنا واستغربوها قبل أن يروها لأنها تسير من غير خيول تقودها في حين كانت عند الغربيين أمرا مألوفا عاديا.
ومن المقرر في الإسلام أنه ليس فيه ما يرفضه العقل ويحكم باستحالته، ولكن فيه كما في كل دين سماوي أمور قد يستغربها العقل، ولا يستطيع تصورها… والذين ينادون بتحكيم العقل في صحة الأحاديث أو كذبه لا نراهم يفرقون بين المستحيل وبين المستغرب، فيبادرون إلى تكذيب كل ما يبدو غريبا في عقولهم، وهذا تهور طائش ناتج عن اغترارهم بعقولهم من جهة، ومن اغترارهم بسلطان العقل من جهة أخرى»( ).
المطلب الثاني: ردود العلماء على الطاعنين في السنة
تقدم أن الطعن في السنة لم يكن وليد حقبة تاريخية ثم اندثر، بل هو مستصحب في كل فترات التاريخ الإسلامي إلى يومنا هذا، ولذلك ما أشهر شخص أو فرقة من الفرق ورقة الطعن في السنة إلا وتصدى لها جمع من العلماء والباحثين والمفكرين من أجل دحضها وبيان عورها حتى يحذرها الناس، وهذه بعض المؤلفات في بيان زيف وزيغ الطاعنين في السنة النبوية مع الرد عليها:
1. الاستشراق والمستشرقون لأبي الحسن الندوي.
2. الاستشراق والمستشرقون للدكتور مصطفى السباعي.
3. إنكار السنة حق أو باطل للشيخ صفي الرحمن الأعظمي.
4. إنكار السنة فتنة ومؤامرة للبروفسور محمد عرفان.
5. تاريخ تدوين الحديث للدكتور محمد زبير الصديقي.
6. تدوين الحديث للشيخ مناظر أحسن جيلاني.
7. تفيهم الإسلام للشيخ مسعود أحمد.
8. حجية الحديث للشيخ محمد إدريس الكاندهلوي.
9. حجية الحديث واتباع الرسول للشيخ ثناء الله الآمرتسري.
10. حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ميزان القرآن للشيخ محمد طيب.
11. دفاع عن الحديث النبوي لمجموعة من العلماء. نشر زكريا علي يوسف.
12. الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الوزير اليماني(ت:840هـ)
13. السنة المطهرة بين أصول الأئمة وشبهات صاحب فجر الإسلام وضحاه للدكتور سيد رمضان المسير.
14. السنة المفترى عليها لسالم البهنساوي.
15. السنة في مواجهة الأباطيل لمحمد طاهر حكيم.
16. السنة ومكانتها في التشريع لمصطفى السباعي
17. ظلمات أبي رية للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة.
18. القرآن والحديث للشيخ محمد طيب.
19. القول الفيصل لماهر القادري.
20. مظاهر وخلفيات فتنة إنكار الحديث للشيح افتخار أحمد.
21. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للحافظ جلال الدين السيوطي.
22. مكانة الحديث في الاحكام الشرعية للشيخ محمد إسماعيل السلفي.
23. مكانة السنة في الشريعة الإسلامية للشيخ أبو الأعلى المودودي.
24. نتائج إنكار السنة للشيخ محمد سرفرازخان.
25. نصرة الحديث للشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
26. نظرة عابرة على فتنة إنكار الحديث للشيخ احتشام الحق آسياآبادي.
وغيرها من الكتب الكثيرة جدا، وإنما اقتصرت على بعضها فقط لأبين أنه ما ظهرت فتنة رد السنة إلا وجد من يقف لها بالمرصاد حتى لا تلقى رواجا بين المسلمين، فجزى الله مؤلفيها خير الجزاء.

خاتمة:
الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
بعد هذه الجولة في ثنايا هذه الورقة البحثية، والتي ضمنتها أشهر الفرق التي كانت تعادي سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام وتطعن فيها بكل ما أوتيت من جهد ووسائل، وقد تبين أن الفرق المعاصرة ما هي إلا امتداد للفرق السابقة التي انحرفت عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها بأشكال متنوعة، وألوان مختلفة، ولهذا نجدها متشابهة إلى حد ما حتى في شبهاتها واعتراضاتها، مع أن الغالب على الطاعنين في السنة أن ردهم لها ما هو إلا بتأثير سياسي أو مذهبي أو مادي، أضف إلى ذلك أن الصراع بين الحق والباطل لا ينتهي حتى تقوم الساعة، ولهذا ففي كل مرة يطلع علينا شخص أو أشخاص أو حزب أو أحزاب في محاولة يائسة منهم لرد السنة النبوية، لكن سواء طال زمان هذا الطعن والرد أو قصر فإنها تندثر اندثار الرماد في الريح القوية نظرا لكونها لم تبن على أسس سليمة، ولأن الحق أبلج والباطل لجلج، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصادر والمراجع:
1) ابن بابويه، الصدوق محمد بن علي القمي، الأمالي، تحقيق: الدراسات الإسلامية، قم، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولى 1417هـ
2) اتجاهات في دراسات السنة قديمها وحديثها: الدكتور: محمد أبو الليث الخير آبادي، الطبعة الأولى 1426ه/2005م، دار الشاكر، ماليزيا
3) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: للأمير علاء الدين علي بلبان الفارسي. دار الفكر. الطبعة الأولى:1996م.
4) الإحكام في أصول الأحكام: لأبي محمد بن حزم الظاهري. تحقيق الشيخ: أحمد محمود شاكر. دار الآفاق.
5) الاستشراق في السيرة النبوية: عبد الله محمد الأمين، سنة 1997م، دار النشر: المعهد العالمي للفكر.
6) الاستشراق: إدوار سعيد، ترجمة كمال أبو ديب، د.ط، د.م: مؤسسة الأبحاث العربية، 2005م.
7) الاستشراق: مازن مطبقاني، موقع مركز المدينة المنورة لرداسات وبحوث الاستشراق.
8) الأصول العامة للفقه المقارن، محمد تقي الدين الحكيم، مؤسسة آل البيت، ط الثاني سنة 1979م
9) أضواء على السنة المحمدية: محمد أبو رية، دار المعارف، مصر، ط3
10) أعظم الكلام في ارتقاء الإسلام: جراغ علي، لاهور، مطبعة رفاه عام.
11) اعلام الموقعين عن رب العالمين: للعلامة شمس الدين أبو بكر بن قيم الجوزية. تحقيق: الشيخ عبد الرحمن الوكيل. مكتبة ابن تيمية.
12) الأم: للإمام محمد بن إدريس الشافعي. تحقيق وتخريج: الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب. دار الوفاء. الطبعة الثانية:2005.
13) اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندا ومتنا: محمد لقمان السلفي، الطبعة الثانية، دار الداعي للنشر والتوزيع.
14) بحار الأنوار: المجلسي، الطبعة الأولى 1365ه، منشورات مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي.
15) البداية والنهاية: ابن كثير أبو الفداء، مكتبة المعارف، بيروت، ط2 سنة 1971.
16) التراث والتجديد: حسن حنفي،
17) التعريفات: للسيد الشريف أبي الحسن علي بن محمد بن علي الحسيني الجرجاني. وضع حواشيه وفهارسه: محمد باسل عيون السود. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. الطبعة الثانية:2003م.
18) تفسير المنار: رشيد رضا، دار المنار، مصر، الطبعة الثالثة، 1967م
19) تقريب التهذيب: لخاتمة الحفاظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. حققه وعلق حواشيه: عبد الوهاب عبد اللطيف. دار المعرفة. الطبعة الثانية:1975م، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية.
20) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: أبو الحسين محمد بن أحمد الملطي،بيروت 2009م
21) تهذيب اللغة: الأزهري أبو منصور، تحقيق: محمد عوض، بيروت، دار إحياء التراث العربي 2001م.
22) جامع بيان العلم وفضله: ابن عبد البر، تحقيق: أبو الأشبال الزهيري، الرياض، دار ابن الجوزي، ط8، 1430هـ
23) الحاكم، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: الدكتور محمود مطرجي، دار الفكر، الطبعة الأولى 2002.
24) الحداثة الأدبية في ميزان النقد الإسلامي: عبد الكريم أحمد المحمود،
25) الحداثة وموقفها من السنة النبوية: الحارث فخري عيسى،
26) الحكومة الإسلامية: الخميني، آية الله، بيروت، دار الطليعة، ط2 سنة 1979م
27) دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه: محمد مصطفى الأعظمي، بيروت، المكتب الإسلامي، ط1 1400هـ/1980م.
28) دراسات في العقيدة الإسلامية: محمد جعفر شمس الدين، الطبعة الرابعة، 1413هـ/1993م
29) دراسات في حضارة الإسلام: هاملتون جب، دار العلم للملايين، الطبعة الثالثة 1979م.
30) دلائل النبوة: البيهقي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، هـ1405-1985م، بيروت، لبنان.
31) الرسالة: للإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي. تحقيق أحمد محمد شاكر. شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي. الطبعة الأولى:1940م.
32) رؤية إسلامية للاستشراق: أحمد عبد الحميد غراب،
33) زوابع في وجه السنة قديما وحديثا: صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر: مجمع البحوث العلمية الإسلامية، الهند، الطبعة الأولى 1991م.
34) السنة قبل التدوين، الدكتور عجاج الخطيب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 1400ه،-1980م، بيروت، لبنان
35) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي : مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت.
36) سنن ابن ماجه: للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني. تخريج وعناية: صدقي جميل العطار. دار الفكر. الطبعة الأولى:2001
37) سنن أبي داود: للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي. تحقيق: صدقي جميل العطار. دار الفكر.1994م.
38) سنن الترمذي: للإمام محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. المكتبة العصرية. الطبعة الأولى: 2006
39) سنن الدارقطني: للإمام الكبير علي بن عمر الدارقطني. دار الفكر. 1994م.
40) سنن الدارمي: للإمام أبي محمد عبد الله بن بهرام الدارمي. دار الفكر.بدون تاريخ
41) سنن النسائي: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. ضبط وتوثيق: صدقي جميل العطار.
42) الشيعة في الميزان: مغنية محمد جواد، بيروت، لبنان، دار التعارف للمطبوعات.
43) صحيح البخاري: للإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري. ضبطه ورقمه ووضع فهارسه: طه عبد الرؤوف سعد. دار الاعتصام.
44) صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري. اعتنى به وراجعه: هيثم خليفة الطعيمي. المكتبة العصرية.
45) ضحى الإسلام: أحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة السادسة 1961م، القاهرة
46) العصرانيون معتزلة اليوم: يوسف كمال، دار الوفاء، مصر، 1998م.
47) العلل الواردة في الأحاديث، الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر، دار طيبة، الرياض، 1405ه،
48) العلل: ابن أبي حاتم الرازي، تحقيق: سعد بن عبد الله الحميد، الطبعة الأولى 2006م
49) العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، الدكتور سفر الحوالي، دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1402هـ/1982م.
50) فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام أحمد بن حجر العسقلاني. رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر.
51) الفرق بين الفرق : عبد القاهر البغدادي، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، دار المعرفة، بيروت.
52) الفصل في الملل والنحل والأهواء، ابن حزم الظاهري، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم نصر، والدكتور عبدالرحمن عميرة، شركة مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، جدة، 1402هـ
53) في حوار هادئ مع الغزالي: سلمان العودة، الطبعة الأولى، ذو العقدة 1409هـ
54) القاموس المحيط: للإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي. دار الفكر. 1995م.
55) القرآن الكريم
56) القرآن وكفى مصدرا للتشريع الإسلامي : أحمد صبحي منصور،
57) الكامل في ضعفاء الرجال: ابن عدي، عبدالله بن عدي الجرجاني، الطبعة الثالثة 1409هـ/1988م، دار الفكر- بيروت-لبنان.
58) كتاب الثقات : ابن حبان، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند
59) كتاب الثقات: للحافظ أبي حاتم محمد بن حبان. وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين، وتركي فرحان المصطفى. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى:1998.
60) الكفاية في علم الرواية : الخطيب البغدادي، دار الكتب الحديثة، مصر، الطبعة الأولى.
61) مجلة المنار، أنشأها محمد رشيد رضا، مطبعة المنار، مصر.
62) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. دار الكتاب العربي.
63) مجموع الفتاوى: لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية. الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. سنة النشر:2004م.
64) مجموعة الرسائل والمسائل: ابن تيمية، تحقيق: محمد رشيد رضا، الناشر: لجنة التراث العربي.
65) المستدرك على الصحيحين: للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم. تحقيق: الدكتور محمود مطرحي. دار الفكر. الطبعة الأولى:2002م.
66) المستشرقون ومصادر التشريع: عجيل جاسم النشمي، الطبعة الأولى 1404هـ/1984م.
67) المسند: للإمام أحمد بن حنبل الشيباني. ضبط ومراجعة: صدقي جميل العطار. دار الفكر. الطبعة الثانية:1994.
68) المعتزلة وأصولهم الخمسة: عواد المعتق، الطبعة الثانية سنة النشر: 1995م.
69) المعجم الكبير: للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. ضبط نصه وخرج أحاديثه: أبو محمد الأسيوطي. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى:2007.
70) معجم رجال الحديث: أبو القاسم الموسوي، دون طبعة أو تاريخ
71) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة: جلال الدين السيوطي، تحقيق: عبدالرحمن فاخوري، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.
72) مفهوم تجديدي الدين: محمد سعيد بسطامي، دار الدعوة، الكويت، 1405هـ
73) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: أبو الحسن الأشعري، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثالثة 1389هـ/1969م.
74) مقالات: خان سيد أحمد، لاهور، مطبعة زرين آرت، ط1 ، 1962م.
75) الملل والنحل: الشهرستاني، تحقيق: محمد سعيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت 1402ه،
76) منهج النقد عند المحدثين، الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، مكتبة الكوثر، الطبعة الثالثة، 1410ه،/1990م.
77) منهج النقد في علوم الحديث، لنور الدين عتر، دار الفكر.
78) الموافقات في أصول الشريعة: للمحقق النظار: إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي. تحقيق: عبد الله دراز ومحمد عبد الله دراز. دار الكتب العلمية. سنة النشر:2004.
79) الموسوعة العربية الميسرة: مجموعة من العلماء والباحثين، الطبعة الأولى، 2010م.
80) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذهب والاحزاب المعاصرة: الجهني مانع حماد، الرياض، دار الندوة العالمية، ط4، 1420هـ
81) الموطأ برواية يحي بن يحي الليثي: للإمام مالك بن أنس. دار الفكر. الطبعة الأولى:1433-1434هـ- 2012م.
82) موقف المدرسة العقلية من الحديث النبوي: شفيق بن عبد الله بن عبد الله شقير، الطبعة الثانية 1984م. الرياض، السعودية.
83) ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: علي محمد البجاوي. دار الفكر.
84) نافذة على الإسلام: محمد أركون، ترجمة صياح الجهيم، الطبعة الأولى 1996م، دار عطية للنشر، لبنان.
85) نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي: محمد شحرور، دراسات إسلامية معاصرة، العدد 04 دار الأهالي للنشر.

شاركها.

الحسين الموس، أكاديمي مغربي من مواليد الراشدية، حاصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله. أصدر عدة كتب منها "تقييد المباح" و"مدونة الأسرة". شغل منصب أستاذ بالأقسام التحضيرية سابقاً، ويعمل حالياً مديراً لمركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط.

اترك تعليقاً

Exit mobile version