انعقد بمقر حركة التوحيد والإصلاح بمدينة طنجة، مساء الجمعة 15 غشت 2025م، الندوة العلمية التي نظمت بشراكة بين مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط وقسم العمل العلمي والفكري لحركة التوحيد والإصلاح بجهة الشمال الغربي، وخصص موضوعها لتقديم قراءة في كتاب: الترجيح بالمقاصد وأثره في الفقه عند المالكية، لمؤلفه الأستاذ الدكتور محمد علي بلاعو.

           افتتحت الندوة بآيات من القرآن الكريم تلاها الدكتور بلاعو، وهو حامل لكتاب الله تعالى بالقراءات العشر، ثم انتظمت في خمسة محاور ركزت على مسالك الاجتهاد المقاصدي؛ ومنها الترجيح بالمقاصد الشرعية وأثره على معالجة القضايا المستجدة التي يعرفها واقع الناس.

           ففي المداخلة الأولى عرض الدكتور محمد علي بلاعو قصة تأليفه لهذا الكتاب، التي ابتدأت خيوطها تنسج منذ أيام الطلب العلمي ومدارسة كتاب المعونة على مذهب عالم المدينة للقاضي عيد الوهاب البغدادي، وما كان يثيره من ترجيحات بين الآراء الفقهية في المذهب المالكي، ترجيحا يتأسس على مقاصد الشريعة الإسلامية، مما أثار في نفسه العزم على المضي قدما صياغة الموضوع كنظريَّةٍ أصوليَّةٍ لها ضوابطها وشروطها، مستفيدًا ممَّا ورد في المدوَّنات الأصوليَّة والمصنَّفات الفقهيَّة حول التَّرجيح قديمًا وحديثًا، مُظهرًا آثار هذه الدِّراسة في المذهب المالكيِّ، وهو ما حققه الباحث في هذه الرسالة العلمية.

                      أما الدكتور سالم عبد السلام الشيخي، فقد تحدث في المداخلة الثانية عن المسلك العملي للمجتهد تجاه الترجيح بالمقاصد، واستهل كلامه بالتنويه بالباحث وأخلاقه، ثم أكد على حضور هذا النوع من الاجتهاد في الإفتاء، في كل من الاقتضاء الأصلي؛ حيث ينظر إلى ما تقتضيه الأدلة من أحكام بغض النظر عما يطرأ  على محالها من العوارض و التوابع والإضافات، وفي الاقتضاء التبعي كذلك؛ وهو الواقع على المحل مع اعتبار العوارض التوابع والإضافات؛ وقدم أمثلة توضيحية لكل منهما، كما نبه إلى وجوب النظر إلى الأحكام الشرعية نظرا تراتبيا يتناسب مع المصالح المقصودة منها، دون الاكتفاء بالنظر إليها من حيث صيغتها الدالة عليها. 

                     في المداخلة الثالثة، التي حملت عنوان: نحو تأسيس منهج معرفي في فهم النصوص الشرعية، نوه الدكتور محمد عوام بالقيمة العلمية للكتاب، وتسليطه الضوء على قضية الترجيح بالمقاصد، وأنها تبني العقل العلمي المنهجي عند الأصوليين، في كيفية تعاملهم مع النصوص الشرعية حين يقع تعارضها عند المجتهد، من خلال وضع ميزان الترجيح المبني على قواعد وضوابط، ومؤكدا في الوقت ذاته على قلة البحوث العلمية التي تناولت هذا الموضوع، إلى حد القول أن تكون شبه منعدمة أو مفقودة، حسب اطلاع الباحث.

ولم يفت الباحث محمد عوام أن يقف على أهمية هذا الموضوع، وقد حدد معالمها الكبرى في النقط الآتية:

•              التَّرجيح بالمقاصد يضبط عمليَّة الاجتهاد، ويسير بالمجتهد نحو الانضباط المتأصِّل بمقاصد الشَّرع، والمناسب لحِكَم الشَّارع وغاياته.

•              التَّرجيح بالمقاصد يساعد المجتهد في الكشف عن مسارات الفهم الصَّحيح للأحكام الشَّرعيَّة، وفق مقاصدها المنشودة، ويترتَّب على ذلك انضباط تصرُّفات المكلَّف.

•              الترجيح بالمقاصد ميزان يضبط نسب المصالح والمفاسد عند الموازنة بينها، تنظيرا وتنزيلا، جلبا ودفعا. فالترجيح يرجع إلى قوة الدليل.

•              أن الترجيح إنما يقع في المظنونات، وليس في القطعيات، والترجيح بالمقاصد لا يمكن أن يحصل إلا بعد معرفة المقاصد، سواء في سياقها العام وهو المقاصد العامة للشريعة، أو في سياقها الخاص وهو ما تعلق منها بالأحكام الجزئية. وطبعا يبقى مجال الاجتهاد خاصة في المقاصد التي لم يأت التنصيص عليها، وهنا يلوح مدى قدرة المجتهدين على تحديد المقاصد اجتهادا، ومدى ضبطهم للترجيح بها.

            ثم ختم د عوام مداخلته بالتنبيه إلى أهمية إعمال منهج الترجيح بالمقاصد في النظر إلى قضايا الأمة؛ ومنها قضية الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ووجوب نصرة أهلها المقاومين، معززا رأيه بجملة من القواعد المقاصدية.

                       وفي المداخلة الرابعة للدكتور عبد النور بزا، التي وضعها تحت عنوان: “سؤال مصطلح المقاصد: مراجعات في التعريف” ركز خلالها على الإجابة عن سؤال تعريف مصطلح المقاصد عند الأقدمين، حيث انتقد الأقوال العلمية التي نسبت إليهم عدم الاهتمام بتعريف المقاصد، وقَدَّم من القرائن والشواهد النقلية ما يقطع بقيامهم بذلك، منذ البدايات الأولى للنظر المقاصدي، مع الأئمة: الغزالي والرازي والٱمدي والقرافي والشاطبي بالخصوص، وأن كل ما قيل في تعريف المقاصد بعد تعاريف هؤلاء الأئمة لا جديد فيه؛ إلا من حيث الصياغة، وأما المضمون فلا يخرج عما قرره فحول النظر المقاصدي.

                          ثم كانت المداخلة الخامسة للدكتور رشيد لعزيز بعنوان: “الترجيح بين الأقوال الفقهية في ضوء القواعد المقاصدية”، وقد انصبت على تتبع مواطن الخلاف الفقهي التي عرضها المؤلف في كتابه، واستخلص القواعد المقاصدية الكامنة فيها، والتي اعتمدها المؤلف أساسًا في ترجيح الأقوال.

             بعد هذه المداخلات، شهدت الندوة تفاعلا من قبل الحاضرين تمثل في الأسئلة والاستفسارات والاستدراكات، تولى الإجابة عنها السادة المحاضرون، ثم ختمت الندوة بحفل توقيع للكتاب ـ موضوع المدارسة ـ  من قبل مؤلفه.

شاركها.

تعليق واحد

  1. البشير القنديلي on

    شكر الله للمنظمين والمحاضرين، وتقبل أعمالهم. موضوع في غاية الأهمية، والخوض فيه يتطلب عدة معرفية ومنهجية معتبرة، لما له من ارتباط بمسألتين مهمتين:
    1▪︎ انضباط المقصد اولا وتحريره جيدا قبل الترجيح به
    2▪︎ ضبط النصوص، واستيعابها تتبعا واستقراء، متنا على الاقل، ودلالة وفهما، بعد ذلك، وهو الامر الذي لا تخفى وعورته وتشعب مسالكه، فتقصيد الأحكام ينبني عليه الترجيح بالمقاصد ضرورة، ولئن كان استقراء نصوص القرآن ميسورا، فإن استقراء السنة غاية تفنى دونها الاعمار! أما دلالة ومعنى وسياقا فحدث ولا حرج، ولا يخفى على السادة الفضلاء ما للموضوع من صلة بمبحث التعارض والترجيح، وهو مبحث ذو بال في المؤلفات الأصولية، تنظيرا، والفقهية تطبيقا
    سدد الله خطاكم وحفظكم من كل سوء

اترك تعليقاً

Exit mobile version