مركز المقاصد والمسؤولية العلمية التاريخية

    من توفيق الله تعالى وهدايته أن وفق بعض النجباء من الباحثين في العلوم الشرعية إلى الانضمام إلى فضيلة العلامة الدكتور أحمد الريسوني والتعاون معه في تأسيس مركز المقاصد للدراسات والبحوث، فانطلق المركز في مسيرة علمية جادة مباركة، يقلب النظر في ما يستجد من القضايا التي تهم المسلمين والإنسانية، ويستثير بشأنها الفكر، وفق شروط المنهج العلمي المتعارف عليها، ملزما بذلك  أعضاء هيئته العلمية. كما ظل يمد يده للتعاون والتشاور مع كل الهيئات العلمية الأخرى؛ أفرادا أو مؤسسات، رسمية أووشعبية، دون حساسية مذهبية أو فكرية أو سياسية أو إيديولوجية. وقد أثمرت هذه المسيرة العلمية المباركة جملة من البحوث والمؤلفات، والملتقيات والدورات العلمية والتكوينية، انشغلت بمواضيع علمية متنوعة ومتعددة، كان من بينها موضوع الأسرة. وظلت الرؤية العلمية التي تحكم رؤية المركز في هذا الشأن – كما القضايا العلمية الأخرى-  هي تقديم الأراء العلمية والفقهية التي تخدم المجتمع والأسرة وتقدم مقترحات حلول للنوازل الجديدة.

  وبالنسبة لمضوع الأسرة فإن المركز يضع في حسبانه ما شهدته هذه الأخيرة من تطورات بنيوية وتغيرات نفسية واجتماعية، وما تعرضت له عبر عقود؛ منذ الاستقلال إلى اليوم،  من ضغوط ثفافية واقتصادية وقانونية، استترت بشعارات حقوقية وتنموية، ومررت من خلال مؤتمرات واتفاقيات دولية ووطنية.

  ومع انطلاق ورش مراجعة مدونة الأسرة، وجد المركز نفسه مدعوا إلى الاهتمام بالموضوع، فأدرجه ضمن جدول أعماله، وتدارسه في لقاءات عديدة لهيئته العلمية، واستدعى لها من يقدر مشاركته ورأيه؛ من الخبراء وأساتذة الجامعات والقضاة والمحامين والعدول، عسى أن يحيط بموضوع الأسرة من مختلف جوانبه، ويقدم فيه مقترحا متوازنا يرجو مصلحة كيان الأسرة كله، في إطار التوازن بين الحقوق والواجبات. وقد توجت تلك الجهود بتقديم المركز لمذكرته الاقتراحية للهيئة الملكية المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة[1]. وقد حظي المركز في ذلك اللقاء بنصيب مقدر من الوقت والاهتمام، وخاض مع أعضاء الهيئة الملكية في نقاشات علمية جادة، مع تنويه كبير واحترام شديد لأعضاء المركز ولمذكرته.

   واليوم، بعد أن خرجت مقترحات التعديل إلى العلن، وصارت محل نقاش مجتمعي، اختلط فيه الحابل بالنابل، يجد المركز نفسه أمام مسؤولية علمية وأخلاقية، لا تقل أهمية عن المسؤوليات السابقة، إن لم تكد أشد وأكبر، وتتمثل في الأمور الآتية:

– تقديم نقد علمي متوازن لمقترحات الهيئة، يقدم الإيجابي منها ويعرف به، ويعرض ما يحسبه سلبيات ويقدم مقترحات علمية لتجويدها.

– تقديم خطاب يحفظ للهيئة الملكفة بمراجعة المدونة وللمجلس العلمي الأعلى مكانتهما وموقعهما، ويعرف لهما الفضل في تدبير هذا الملف الشائك.

– عقد لقاءات من أجل تدارس المواد المقترحة لنصوص المدونة وتقديم مقترحات بشأنها للمؤسسات المسؤولة، لئلا تخرج بعيدة عن مضمون الرسالة المكلية بحفظ الأسرة وكرامة أفرادها.

– تقدير الظرفية الدولية التي تمت فيها مراجعة مدونة الأسرة، والاتفاقيات التي تطوق عنق المغرب وتثقل كاهله،  وتقدير ما كان يرجوه أعداء الأسرة من هذه التعدبلات وما لم يتحقق لهم منها، تمثلا لقول الله تعالى: {وهموا بما لم ينالوا}،

– الاعتراف بفضل بعض العلماء من أعضاء المجلس العلمي الأعلى الذين تواصلوا مع المجتمع المغربي بكل فئاته، ومن خلال كل قنوات الإعلام والاتصال التي تيسرت لهم، فنافحوا عن الشريعة الإسلامية وعن الأسرة المغربية، وقارعوا الشبهات بالحجج، ونخص منهم بالذكر فضيلة العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة، دون أن نتنكر لجهود الآخرين. ونأمل أن يتوسع هذا التواصل عبر كل القنوات، قياما منهم بمهمة البيان الذي يطوق أعناقهم، وتفعيلا لنداء أمير المؤمنين في التواصل مع أفراد المجتمع بشأن التعديلات.

– استمرار تميز المركز وأعضائه بخطابهم العلمي والتربوي، والنأي بأنفسهم عن كل خطاب شعبوي يضر ولا ينفع. وعدم الانجرار وراء أي خطاب متوتر مجحف، وإن تدثر بالغيرة على الشريعة وقطعياتها، والأسرة ومصلحتها مستحضرين قول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}، فليس هناك إلا طريقان ومسلكان: مسلك العلم والعلماء أو مسلك الشيطان، نعوذ بالله منه، والحمد لله رب العالمين.


[1]  المذكرة توجد ضمن منشورات موقع المراكز للدراسات والبحوث

شاركها.

تعليقان

اترك تعليقاً

Exit mobile version