بسم الله الرحمان الرحيم
حوار مع موقع مركز المقاصد للدراسات والبحوث
بداية نتقدم لفضليتكم بالشكر الجزيل على تجاوبكم مع دعوة المركز لإجراء هذا الحوار بغية تسليط الضوء على بعض مخرجات لجنة مراجعة مدونة الأسرة.
السؤال الأول: بمجرد الإعلان عن المحاور الكبرى لمشروع مدونة الأسرة الجديدة ظهر تقاطب جديد بين أنصار المرجعية الإسلامية وبين التيار الذي يمتح من المنظمات الغربية، ما رأيكم في في هذا التقاطب؟ وما هي ضوابط الخورج منه بما يحقق الأمن والإستقرار الأسري؟
هو سجال وتدافع بين السواد الأعظم من الشعب المغربي وطلائعه المدافعين عن المرجعية الإسلامية والتشريع الإسلامي ونمط الحياة الإسلامية، وبين الرافضين لهذه المرجعية وللتشريعات المنبثقة عنها، ولنمط الحياة الذي تجسده. وهذا واقع ممتد جغرافيا في كل الدول الإسلامية، وممتد زمانيا منذ قرن أو يزيد. ولأجل بيان هذا التدافع وأبعاده وامتداداته العالمية، ألف العلامة الهندي أبو الحسن الندوي كتابه القيم (الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية). وهو ما كان أخونا المرحوم الأستاذ محمد بريش يسميه: صراع العلمنة والأسلمة..
فهو صراع بين الفكرة الإسلامية ومن يؤمنون بها، والفكرة الغربية ومن يؤمنون بها. وهؤلاء يدركون جيدا أنهم يكافحون ضد الإسلام والثقافة الإسلامية والنموذج الإسلامي، باعتباره – في نظرهم – نموذجا ماضويا متخلفا. ويدركون جيدا أن الشعب متمسك بهذا النموذج، ولكنهم يعتقدون ويأملون أن الزمن والمناخ الدولي يلعبان ويتحركان لصالحهم.. ونحن وإن كنا نعتقد عكس هذا، فنحن سنتمسك بما نؤمن به حتى لو كنا نسبح ضد التيار..
وإذن فهذا التدافع باق ولا محيد عنه، وليس له نهاية قريبة.
الريسوني: سنتمسك بما نؤمن به حتى لو كنا نسبح ضد التيار.. وهذا التدافع باق ولا محيد عنه، وليس له نهاية قريبة.
السؤال الثاني: صرحتم بأن الاختيارات الفقهية القانونية التي اختارها المجلس العلمي الأعلى تقع ضمن دائرة النظر والاجتهاد، هل نفهم من كلامكم أنها لا تمس قطعيات الأحكام الشرعية؟
** المجلس العلمي الأعلى يوجد في وضع صعب.. فهو يسدد ويوفق فيما ألقي إليه. ومن ذلك أنه تحفظ على ثلاث تعديلات تتعلق بالنسب، والتعصيب، والتوارث حال اختلاف الدين. ووافق على باقي التعديلات، وقدم لبعضها صيغا إسلامية يراها مقبولة.
وأنا قلت: إن التعديلات التي وافق عليها المجلس “تقع ضمن ما يمكن فيه النظر والاجتهاد والتعديل..”. وهذا لا يعني موافقتي – كما وافق المجلس – على تلك التعديلات وأنها صواب ومقبولة تماما.
الريسوني: المجلس العلمي الأعلى يوجد في وضع صعب.. فهو يسدد ويوفق فيما ألقي إليه. ومن ذلك أنه تحفظ على ثلاث تعديلات تتعلق بالنسب، والتعصيب، والتوارث حال اختلاف الدين.
فمثلا: إذا أخذنا أسوأ المسائل في هذه التعديلات، وهي مسألة التعدد، نجد أنها لم تطرح من باب هل يجوز التعدد أو لا يجوز؟ وليست مطروحة للنظر في منعه أو إبقائه، ولم تنص على منع التعدد.. فهذا – لو جاء هكذا – سيكون خروجا سافرا على أدلة شرعية قطعية.. ولكن تم طرحها من باب: متى يسمح به ومتى لا يسمح به؟ ومن باب التقييد والتضييق لا من باب المنع التام. وهي صيغة فيها احتيال والتواء واستدراج، للإفلات من قاعدة “لا أحل حراما ولا أحرم حلالا”، وهو ما يذكرنا بما كان قد قاله السيد امحمد بوستة حين تولى رئاسة اللجنة الملكية السابقة سنة 2000، خلفا للأستاذ إدريس الضحاك، حيث قال: “لن أمنع التعدد، ولكن سأجعله مستحيلا”.
فما قصدته هو أن هذه التعديلات المعلنة كلها فيها جوانب وزوايا اجتهادية، وحالات قد تكون خلافية.. أما الاجتهادات والاختيارات المعتمدة فيها، فيقبل منها ويُردّ.
الريسوني حول اجتهادات المجلس العلمي: ما قصدته هو أن هذه التعديلات المعلنة كلها فيها جوانب وزوايا اجتهادية، وحالات قد تكون خلافية.. أما الاجتهادات والاختيارات المعتمدة فيها، فيقبل منها ويُردّ.
السؤال الثالث: يميل أغلب الناظرين في التعديلات إلى إبراز سلبياتها (حسب وجهة نظرهم)، ألا يوجد في نظركم في هذه التعديلات ما يستحق التنويه والإشادة؟
** أنا أشيد مثلا بفكرة إحداث هيئة غير قضائية للصلح بي الزوجين، وللتوفيق بينهما في نزاعات ما بعد الطلاق.
وكذلك اعتماد إمضاء الطلاق الاتفاقي دون حاجة إلى اللجوء للقضاء.
ومنها ما هو مقبول ولا جديد فيه فقهيا، مثل أن يهب الأب لبعض أبنائه – قيد حياته – ما يشاء من ماله. وهذا يجوز للذكور كما يجوز للإناث، كما يجوز للزوجة، ولغيرها من الورثة. ومثل الهبة والوصية بين الزوجين المختلفَين في الدين. فهذه مسالك شرعية نبه عليها السادة العلماء، وهي تعفي من أي إجراءات غير مقبولة شرعا.
الريسوني: أنا أشيد مثلا بفكرة إحداث هيئة غير قضائية للصلح بي الزوجين، وللتوفيق بينهما في نزاعات ما بعد الطلاق.
السؤال الرابع: ما هي في نظركم أهم السلبيات التي وقعت فيها الاختيارات الجديدة؟
** أصعبها ما يتعلق بالتعدد.. فالفكرة التي لم يتمكن السي امحمد بوستة من تمريرها سنة2000، نجدها الآن تعود وتأخذ طريقها نحو التنفيذ؟
وفي هذه المسألة كذلك نجد ذلك التنصيص الغريب على “إجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج…”. فلماذا هذا الإجبار والإكراه، وهذا الإحراج للخطيبين ولأسرتيهما؟! ولماذا توريط فتاة وفتى في أول شبابها، وتطويقُهما بهذا الالتزام أو الإلزام؟ ولماذا إحراج العدول وإجبارهم على القيام بهذه المهمة المستثقلة والمنافية للأدب والمعكرة للمناسبة السعيدة؟! هل هي فرصة أخيرة تغتنم لعرقلة الزواج أو لتسميم الحياة الزوجية من بدايتها؟ أم هي طريقة مبتكرة لمحاربة التعدد وإجبار المتزوجين على الالتزام بعدمه؟ وما العمل إذا قال الزوج/ الخطيب: أنا لا أقبل هذا الشرط..؟
الريسوني: إجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق العقد حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، إحراج للخطيبين ولأسرتيهما، و إحراج العدول وإجبارهم على القيام بمهمة مستثقلة ومعكرة للمناسبة السعيدة؟!
هذا مع العلم – وحسب أرقام رسمية – فإن أكثر من 99 بالمائة من المتزوجين لن يحتاجوا إلى هذه الفكرة وهذا التشارط في حياتهم الزوجية، فلماذا زرعُ الألغام في بداية طريقهم أو حتى قبل بدايتها؟!
وأنا أقول لخصوم التعدد: بدل أن تجعلوه مستحيلا أو ممنوعا، دعونا نجعله نافعا ومفيدا للنساء وللمجتمع. فما دام التعدد الآن لا يكون إلا بإذن قضائي، فلنضف إلى شروط الإذن به شروطا ترشيدية استصلاحية، وهي: أن تكون الزوجة الثانية: إما أرملة، أو مطلقة، أو بكرا فوق سن الثلاثين.
الريسوني: ما دام التعدد الآن لا يكون إلا بإذن قضائي، فلنضف إلى شروط الإذن به شروطا ترشيدية استصلاحية، وهي: أن تكون الزوجة الثانية: إما أرملة، أو مطلقة، أو بكرا فوق سن الثلاثين.
السؤال الخامس: انتقدتم في بعض حواراتكم مسألة إخراج سكن الزوجة من التركة بعد وفاة الزوج، ورأيتم فيه اعتداء على حقوق ورثة آخرين كالأم والأب والبنات والأولاد من زوجة أخرى، ماذا تقترحون لأجل إرجاع الأمر إلى نصابه وتحقيق مقصد كرامة الزوجة وحفظ أمنها الأسري؟
** الأمور أصلا هي الآن في نصابها وعلى أصولها. فما الذي يحتاج أن نعيده إلى نصابه؟ زوجة المتوفي تأخذ نصيبها من تركة زوجها، في المنزل وغيره. وإذا كان لها أولاد فنصيبهم نصيبها. فالأمر ليس فيه مشكلة أصلا، ولكن يريدون أن يجعلوا فيه مشاكل عديدة، بما في ذلك ما تضمنه التعديل المقترح من غموض وخلط، ولغة ومصطلحات بعيدة كل البعد عن الفقه والتشريع؟!
ولو فرضنا مشكلة ما ستقع للزوجة المتوفى عنها، فما حجمها؟ وما نسبة وقوعها؟ والنادر لا حكم له، بل تتخذ له حلول خاصة، كما في قضايا الأعيان الواردة في السنة النبوية، أما أن يوضع له تشريع عام دائم، مشاكله وأضراره أضعاف فائدته، فهذا من باب صنع المشاكل لا من باب حل المشاكل.
الريسوني حول توقيف السكن عن القسمة: ولو فرضنا مشكلة ما ستقع للزوجة المتوفى عنها، فما حجمها؟ وما نسبة وقوعها؟ والنادر لا حكم له، بل تتخذ له حلول خاصة، كما في قضايا الأعيان الواردة في السنة النبوية
السؤال السادس: من المواد التي رفض المجلس العلمي تمريرها إلغاء المادة 400 من مدونة الأسرة وعلل ذلك بالحاجة إلى تحديد مرجع واضح للتشريع فيما لا يوجد نص بخصوصه، ما تقييمكم لهذا الموقف بالنسبة لتأكيد مرجعية مدونة الأسرة؟
** هذا موقف جيد من المجلس العلمي الأعلى، ومن شأن الالتزام به أن يعيد الاعتبار للمذهب المالكي الذي ظل على مر العصور هو أبرز سمات الهوية الدينية والثقافية والتشريعية للمغرب. وقد كانت هذه المادة منصوصة في المدونة الأولى، (مدونة الأحوال الشخصية). وأرى أن ينص على اعتماد المذهب المالكي، مع الاجتهاد وفق أصوله وقواعده فيما جدَّ أو تغير من الأحوال.
الريسوني حول تأكيد المجلس العلمي على اعتماد المادة 400 من المدونة: هذا موقف جيد ومن شأن الالتزام به أن يعيد الاعتبار للمذهب المالكي الذي ظل على مر العصور هو أبرز سمات الهوية الدينية والثقافية والتشريعية للمغرب.
السؤال السابع: ألا ترون أستاذي الفاضل أن كثيرا من التساؤلات والتشكيكات التي رافقت الإعلان عن موقف المجلس العلمي الأعلى من تعديلات المدونة يعود في جزء منه إلى عدم نشر حيثيات الاختيارات الفقهية ومستنداتها بين الباحثين والمتخصصين؟
** هذا صحيح بالنسبة لبعض التعديلات. وبعضها ما زال بحاجة إلى مزيد من التوضيحات العلمية، نرجو أن يقدمها السادة العلماء وليس السيد الوزير، في وسائل الإعلام.
السؤال الثامن: بعد صياغة مواد مدونة الأسرة لعرضها على البرلمان تبدأ جولة جديدة من التدافع حول إخراج مدونة جديدة تزيل الاختلالات السابقة وتُسهم في حفظ الاستقرار الأسري، ما هي مقترحاتكم قصد النجاح في هذا الورش المستقبلي؟
** أنا أقول وأكرر: مشاكل الأسرة توجد وتأتي من خارج مدونة الأسرة. مدونة الأسرة تُجْلد على الدوام، مع أنها بريئة كل البراءة، وهم يزرعون فيها المشاكل والقنابل، ويتغاضون عن المشاكل الحقيقية. لو أننا استجوبنا وسألنا آلاف الأفراد والأسر حول مشاكلهم ومعاناتهم، قد لا نجد عندهم مشكلة واحدة سببها الأحكام الشرعية لمدونة الأسرة.
ومع ذلك، لا بأس أن نتحاور مع المخالفين، ونتدافع معهم، للحد من إفسادهم وتضليلهم، ولتعزيز المشتركات بيننا وتوسيعها.. ولكن علينا الاشتغال – ميدانيا – بمشاريع خدمة الأسرة وتحصينها وحمايتها على أرض الواقع، وذلك بمعالجة المشاكل الحقيقية، والمخاطر الفعلية، وليس المشاكل المفتعلة، أو المستوردة، أو المضخمة..
الريسوني: أقول وأكرر: مشاكل الأسرة توجد وتأتي من خارج مدونة الأسرة. مدونة الأسرة تُجْلد على الدوام، مع أنها بريئة كل البراءة، وهم يزرعون فيها المشاكل والقنابل، ويتغاضون عن المشاكل الحقيقية.
شكرا لكم مرة أخرى أستاذي الفاضل.