عقد أمير المؤمنين محمد السادس يوم الاثنين 21 جمادى الثانية 1446 موافق 23 دجنبر 2024 لقاء مع اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، ثم فيها التطرق لمسار التعديلات، ولنظر المجلس العلمي الأعلى في القضايا التي رفعت إليه قصد تحديد النظر الشرعي.

لقد أسدل الستار عن مرحلة هامة من مراحل تعديل مدونة الأسرة، كانت فيها بعض الأطراف تدعو إلى القطيعة من الشريعة، وإلى تجريم كثير من التصرفات المباحة شرعا، لكن وبعد إسناد الأمر إلى نظر العلماء ثم رفض كثير من ذلك ، من مثل وضع تعريف للأسرة لا يراعي الدستور المغربي الذي يجعل الأسرة قائمة على الزواج الشرعي، أو فتح باب التوارث بين المسلم وغير المسلم، أو إلغاء التعصيب من الإرث …

وقد تفاعل كثير من الباحثين مع المعطيات الأولية للموضوع، وكتب الدكتور أحمد الريسوني محذرا من المآلات السيئة لكثرة القيود اللاحقة بالرجل، والتي قد تدفع إلى عزوف الرجال عن الزواج قائلا: ” على العموم هذه الاختيارات الفقهية/ القانونية تقع ضمن ما يسوغ فيه النظر والاجتهاد والتعديل..ولكن المشكلة تكمن في هذا الاتجاه العام للاجتهاد الرسمي المعتمد، وهو التضييق والضغط على الرجل: قبل زواجه، وأثناء زواجه، وفيما بعد الطلاق وبعد الممات..!
المشكل الذي سيتفاقم جراء هذا التوجه، وسيرخي بمزيد من آثاره السلبية على الأسرة والمجتمع، وعلى المرأة بالدرجة الأولى، هو دفع الشباب إلى مزيد من العزوف عن الزواج، وإلى الخوف من الزواج.. في مقابل التسهيلات والإغراءات المريحة، المتاحة لحياة العزوبة و”العلاقات الحرة”..
نعم، ستجد المرأة أمامها مزيدا من الحقوق والمكاسب والصلاحيات، لكن وجود الزوج نفسه سيصبح عسيرا أكثر فأكثر.
وربما سنحتاج في النهاية إلى الحل الهندوسي، وهو أن المرأة تدفع للرجل مهرا كبيرا حتى يقبل الزواج!!”

وفي انتظار صدور مشروع القوانين الذي يحتاج إلى تدافع قوي قصد تجنب الخروج عن المقاصد المرجوة من التعديل نعرض فيما يأتي مذكرة مركز المقاصد للدرسات والبحوث حول تعديل مدونة الأسرة والتي عرضت على أنظار اللجنة المكلفة بالنظر في التعديلات خلال شهر دجنبر 2023. وسيعود المركز للتفاعل مع مستجدات التعديلات المطروحة بنظر علمي غايته دعم الاستقرار الأسري المنشود.

          بسم الله الرحمن الرحيم

مذكرة اقتراحية حول مراجعة مدونة الأسرة المغربية.

                مقدمة:

                لا يخفى ما حظيت به مدونة الأسرة حين صدورها في فبراير 2004 من ترحيب من مختلف الهيئات السياسية، والفكرية، والحقوقية، والثقافية، والشرائح الاجتماعية، باعتبارها ثورة قانونية لتنظيم الأسرة، انطلاقا من تسميتها المؤسساتية التي تستحضر كل مكوناتها، ومرورا بما حققته من مكاسب همت المرأة والطفل، وبما أقرته من إجراءات وشروط تقر  بمبدإ سلطان الإرادة والاختيار.

                ولقد مر على العمل بها إلى اليوم ما يقرب من عقدين، ظهر خلالهما عند الممارسة وجود اختلافات في تفسير بعض موادها أو في تنزيلها، مما كان له الأثر غير المرضي في حفظ الاستقرار الأسري واستمراره، وهو ما نتج عنه ارتفاع مجموعة أصوات تنادي بمراجعتها والكشف عن  بعض الثغرات القانونية، والعيوب التي تحول دون تطبيق قضائي سليم لها، سواء تعلقت بالنصوص من حيث عدم وضوحها، أو بتطبيقها، أو بالبيئة التي تتنزل عليها.

                واستشرفا لتقويمها وتقويتها، انسجاما مع ما طرأ من تحولات مجتمعية مست أفراد الأسرة كلهم، ورغبة في معالجة ما ظهر من تحديات مست القيم المجتمعية الفاضلة، جاء تدخل أمير المؤمنين بتشكيل لجنة وطنية تروم إصلاح المدونة، وتقديم مقترحات تعديل بعض موادها، باعتماد مقاربة تشاركية مع الهيئات المعنية بالموضوع بصفة مباشرة، والانفتاح على مؤسسات المجتمع المدني، والباحثين الأكاديميين، والحقوقيين، عبر جلسات استماع منظمة.

                ولقد حدد جلالته إطار اشتغالها النظري بالتقيد بالنصوص القطعية المنظِّمة، والاجتهاد القائم  على  احترام الثوابت الدينية والوطنية، وإعمالا لمقاصد الشريعة، مع الانفتاح على المستجدات الإنسانية المعاصرة، واستحضار ما طرأ على منظومة القيم من تحولات وتغيرات.

                وشعورا بالمسؤولية في المشاركة في هذه المبادرة الملكية، فإن مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط، باعتباره مؤسسة علمية تعنى ببحث ودراسة القضايا المجتمعية دراسة علمية أكاديمية، وكذا المسائل العلمية الراهنة، ومنها مدونة الأسرة ، ووعيا منه بأهمية الانخراط الإيجابي في مراجعتها، بادر  بالمشاركة في هذا الورش الإصلاحي، وتقديم مقترحاته التي تمخضت عن مجموعة لقاءات علمية منتظِمة، وندوات أثرى نقاشها ممارسون في القضاء، وأكاديميون مختصون، وعن دراسة أكاديمية في شؤون الأسرة، قام بها بالمشاركة مع معهد الدوحة للدراسات الأسرية بدولة قطر في سنة 2019. وهي تهم مسائل في كتاب النكاح والطلاق وآثارهما، من مدونة الأسرة.

وتتلخص هذه المقترحات في هذه المذكرة في محورين متكاملين؛ أحدهما يتضمن ما له علاقة بمواد المدونة، والآخر يضع بين يدي اللجنة والمؤسسات المعنية مقترحات داعمة من خارج النص القانوني، نرى الحاجة ماسة إلى تفعيلها ليحصل التناغم والانسجام، ويتحقق مقصد التماسك والاستقرار الأسري، والبناء المجتمعي السليم.

المحور الأول: مقترحات حول مواد المدونة

المطلب الأول- مقترحات بشأن الإجراءات الإدارية، والزواج دون سن الأهلية، والتعدد:

                أولا – مقترح حصر طلب الإذن بتوثيق الزواج في حالات محددة، وحفظ الملف لدى العدلين الموثقين: (المادة: 65 و 67)

            النص الأصلي:

جاء في المادة 65  أنه “يُحدث ملف لعقد الزواج، يحفظ بكتابة الضبط لدى قسم قضاء الأسرة بمحل إبرام العقد ..”.

                المقترح:

                أن ينحصر أخذ الإذن من القاضي بتوثيق الزواج في حالات مخصوصة وردت في المادة 65 وهي الزواج دون سن الأهلية، والتعدد، وزواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية، وزواج معتنقي الإسلام والأجانب”، وأما ما عدا هذه الحالات فيمكن الاستغناء فيها عن طلب الإذن بتوثيق الزواج، بالسماح للعدول الموثقين بتوثيق الزواج بدونه.

                 وبناء عليه تصير المادة 65 كما يلي: “يحدث ملف لعقد الزواج يحتفظ به عند السادة العدول الذين يشرفون على توثيق عقد الزواج، ويضم الوثائق الآتية، وهي:  1- مطبوع خاص بطلب الإذن بتوثيق الزواج في الحالات الآتية دون غيرها، وهي: “الزواج دون سن الأهلية، والتعدد في حالة توفر شروطه المنصوص عليها في هذه المدونة، وزواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية، وزواج معتنقي الإسلام والأجانب . 2- نسخة من رسم الولادة…..”. ( الباقي دون تغيير)

       التعليل:

                هذا المقترح يحقق تخفيفا على الراشدين الراغبين في الزواج، وعلى القاضي، بينما الإجراء السابق فيه إعنات لهم، وإثقال كاهل القضاء إذا بقي شرطا لازما في وثائق العقد بالنسبة لجميع من أراد الزواج، كان الأَولى أن يوفر  وقته وجهده لمعالجة قضايا أخرى، بالإضافة إلى ِما يتطلبه من وجود قاعات خاصة للأرشيف، قد لا تتسع مع الزمن لاستيعاب كل الملفات المتزايدة كل سنة.

ثانيا ـ مقترح الاكتفاء بتوقيع الزوجين في مذكرة الحفظ لدى العدلين:

النص الأصلي:

اختصت المادة 67 بذكر ما يجب أن يتضمنه عقد الزواج الذي يحرره العدلان الموثقان، ومنه “توقيع الزوجين في وثيقة عقد الزواج”.

المقترح:

الاقتصار على توقيع الزوجين مرة واحدة في مذكرة الحفظ لدى العدلين في مجلس العقد؛ وتحذف الفقرة التي تنص على توقيع الزوجين في وثيقة العقد الذي نصت عليه المادة 67، كما كان معمولا به في مدونة الأحوال الشخصية القديمة بمقتضى الفقرة 6 من الفصل 42 منها التي تنص على “توقيع العدلين بشكلهما، وأداء القاضي مع طابعه”.

وبناء على هذا يصادق القاضي بطابعه على وثيقة عقد الزواج المتضمنة لتوقيع العدلين الموثيقن. ويمكن إعداد نسخة من وثيقة العقد الموقعة من طرف الزوجين في مذكرة السادة العدول، وتسليمها لمن يطلبها ممن يحتاجونها خارج المغرب بعد التأشير عليها من طرف القاضي.

التعليل:

                 يسعى هذا الاقتراح إلى ضمان ثبوت الزوجية بمجرد توقيع الزوجين في مذكرة الحفظ لدى العدلين، حفظا لحق المرأة خاصة؛ ذلك أنه ثبت أن من الأزواج من يعبر عن موافقته على الزواج، ويوقع لدى العدلين في سجل الحفظ لديهما، ويمتنع، ولا يحضر لتوقيع الوثيقة الرسمية للعقد التي يؤشر عليها القاضي، وتبقى المرأة معلقة لا تملك وثيقة كاملة تثبت زواجها.

                ثالثا ـ مقترحات بشأن زواج القاصر:

                تهم هذه المقترحات أربع مسائل؛ إحداها تتعلق بما ينبغي للمحكمة مراعاته للإذن بزواج القاصر أو منعه، والثانية مسألة قرار القاضي بتزويج القاصر دون موافقة النائب الشرعي.

         1    – مقترح الحفاظ على صلاحية القضاء في الإذن بالزواج دون سن الأهلية مع تعديل  النص الأصلي:

                جاء في المادة 20:  ” لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر  معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن”.

المقترح:

                يحتفظ بمضمون المادة لكن تعدل قصد مزيد من التحرز والاحتياط من أن يكون الزواج مفسدة فتصير: “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة  دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 20، بعد التحقق من وجود المصلحة الراجحة من خلال إجراء بحث اجتماعي وخبرة طبية، والاستماع للقاصر على انفراد، على ألا يقل سن طالب الزواج عن ستة عشرة سنة” .

التعليل:

                الاحتفاظ بصلاحية القاضي في الإذن بزواج من هم دون سن الأهلية، يحقق مصلحة لبعض الحالات الاستثنائية، من مثل فتى أو فتاة قارب (ت ) سن الأهلية ويخشى عليه   (ا )الوقوع في العنت، وقد تكون الفتاة قاربت سن الأهلية وهي منقطعة عن الدراسة، ووضعها الاجتماعي يرجح زواجها. وقد أظهر العمل القضائي أن نسبة طلبات الزواج لأقل من ستة عشرة تكادتكون منعدمة.

                 2 – مقترح احترام رأي النائب الشرعي عند امتناعه عن تزويج القاصر:

النص الأصلي:

نصت الفقرة الثانية من المادة 21 على أنه “إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع”.

المقترح:

نقترح تعديل المادة 21 لتصبح: “إذا كان النائب الشرعي أحد الأصول، وامتنع عن تزويجه، لا يأذن القاضي بزواجه.  وإذا كان نائبه الشرعي غير ذلك، ولم يوافق على الزواج، أَجل قاضي الأسرة المكلف بالزواج البت في القضية لمدة محددة، وإذا أصر القاصر بعدها على الزواج، بت القاضي في القضية”.

التعليل:

                  لم تذكر مدونة الأسرة ما يمكن أن يستند إليه حكم القاضي بالموافقة على تزويج القاصر على الرغم من اعتراض نائبه الشرعي وخاصة أحد الأصول ( أب أو أم أو أحد الأجداد )، فهؤلاء لا يشك في شفقتهم وحرصهم على مصلحته من جهة، ومن جهة أخرى فقد يكون النائب الشرعي مسؤولا ماليا وقانونيا عن كل تصرف من القاصر يضر بالزوجة، كما يتحمل مسؤولية نفقته لاحقا إذا  فشل الزواج ووقع الطلاق. وليس هذا من الإنصاف أن يتحمل النائب الشرعي الآثار السلبية لمشروع زواج لم يوافق عليه. من أجل ذلك يظهر أنه ينبغي التمييز بين حالتين اثنتين:

إحداهما يكون فيها النائب الشرعي هو أحد الأصول، ويعترض عن زواج القاصر الذي تحت ولايته، ففي هذه الحالة لا يقبل القاضي طلب التزويج لما في ذلك من آثار إيجابية على التماسك الأسري.

والحالة الثانية يكون فيها الاعتراض على زواج القاصر من طرف النائب الشرعي غير  أحد الأصول، فهنا يمكن أن يحاور القاضي القاصر بمفرده، ويتحقق من رضاه بالزواج، ويسأله عن دواعي التسرع في إنجازه، كما له أن يحاور النائب ويبحث عن سبب اعتراضه، ثم يبت في القضية بناء على سلطته التقديرية.

رابعا مقترحات بشأن ثبوت الزوجية والتوثيق:

                   النص الأصلي للمادة 16 :

تعتبر  وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج.

إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات و كذا الخبرة.

تأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال، أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.

يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى عشر سنوات، ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ”.

المقترح:

 نقترح حذف توقيت العمل يسماع ثبوت الزوجية وتركه للنظر القضائي يبث فيه حسب كل نازلة.

التعليل:

ظهر من خلال التطبيق العملي إلى حدود 2023 استمرار وجود طلبات البث في ثبوت الزوجية رغم انصرام الأجل الذي تم تمديده إلى سنة 2019. وقد طرحت المسألة على أنظار غرفة الأحوال الشخصية بمحكمة النقض، وأيدت حكما صادرا بشأن النظر والحكم بثبوتها إعمالا للمادة 400 من المدونة. ونرى أن الشريعة متشوفة إلى بناء الأسرة، وإلى حفظ نسب الأبناء، ولا يعقل أن يأتي الفرد مقرا بزواجه، وأحيانا رفقة أبنائه من هذا الزواج، ويريد تصحيح الوضع فيصرف عن ذلك، وتضييع الأسرة  والأبناء.

خامسا – مقترحات في مسألة تعديد الزوجات:

نظمت مدونة الأسرة المغربية مسألة إباحة التعدد في سبع مواد من المادة 40 إلى المادة 46 بها إجراءات وقائية لحماية المرأة من شطط زوجها، وحفظ حقوقها. ويقترح لتحقيق هذا المقصد مقترحان اثنان هما:

                 1 ـ مقترح عدم التسرع في اعتماد مسطرة الشقاق عند إصرار الزوجة الأولى على رفض التزوج عليها:

النص الأصلي:

نصت المادة 45 في فقرتها الأخيرة على أنه “إذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق، طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 بعده”.

المقترح:

يُقترح أن يُفصل بين مسألة التعدد ومسطرة الشقاق، وعدمُ جعلهما متلازمتين، وأنه في الحالة التي يصر فيها الزوج على طلب الإذن بالتعدد، يُحفظ حق الزوجة الأولى في تقديم طلب اعتماد مسطرة الشقاق داخل أجل سنة شمسية كاملة من تاريخ الإذن بالتعدد. وبه تصير الصيغة كما يأتي: ” إذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق، أمهلت المحكمة الزوجة مدة سنة شمسية لاعتماد مسطرة الشقاق”.

التعليل:

    يظهر أن مدونة تسرعت في اللجوء تلقائيا إلى تطبيق مسطرة الشقاق إذا رفضت المرأة التزوج عليها، ولو لم تطلب التطليق. ويظهر أنه لا مسوغ لهذه العجلة؛ لأن الزوج قد يتراجع عن استكمال إجراءات التعدد رغم حصوله على الإذن به، كما أن الزوجة الأولى قد تنسجم مع هذا الوضع الجديد، وهذا هو المأخذ الأول الذي تؤاخذ عليه مدونة الأسرة هنا ويحتاج إلى تصحيح، ذلك أن مبادرتها إلى فتح مسطرة التطليق للشقاق مع أن المرأة لم تَدْع إليه ولم تطلبه، فيه تغليب هاجس رفع الضرر الُمفترض وقوعه على الزوجة بسبب التعدد، لكن ليس من شأنه أن يطوق الخلاف بينها وبين زوجها، وأيضا يخالف مقاصد مدونة الأسرة في تحصين الأسرة وحمايتها.

                 2 – مقترح تقييد مدة صلاحية إذن القاضي بالتعدد:

                 حرصا على تحصين حقوق المرأة من أي تحايل يقع عليها، فإنه يحسن تقييد إذن القاضي للزوج بالتعدد بقيد يمنعه من جعله سلاحا يشهره متى شاء على زوجته عند كل خلاف، أو بتمكينه من إذن يستعمله عدة مرات، أو بعد مدة طويله تكون الأوضاع التي سمحت بإعطائه قد تغيرت. لذلك  نقترح أن تُحدد مدة قانونية يسري فيها الإذن بالتعدد، حيث تُضاف فقرة ثالثة إلى المادة 46 هذا نصها:” في حالة عدم ممارسة الزوج للتعدد داخل أجل 6 أشهر، اعتبر هذا الإذن لاغيا”. 

                المطلب الثاني: مقترحات تعديل بعض مسائل حل ميثاق الزوجية:

أولا – مقترحات بشأن الطلاق الرجعي:

                1 ـ مقترح بشأن إخبار القاضي المرأة المراد رجعتها:

                النص الأصلي:

                نصت المادة 124 من مدونة الأسرة على أن “للزوج أن يراجع زوجته أثناء العدة. إذا رغب الزوج في إرجاع زوجته المطلقة طلاقا رجعيا، أَشهدَ على ذلك عدلين، ويقومان بإخبار القاضي فورا. يجب على القاضي قبل الخطاب على وثيقة الرجعة استدعاء الزوجة لإخبارها بذلك، فإذا امتنعت ورفضت الرجوع، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المادة 94”.       أوجبت هذه المادة على القاضي المكلف بالتوثيق قبل إمضائه وثيقة الرجعة أن يستدعي الزوجة لإخبارها والاستماع إلى رأيها، واشترطت رضاها بالرجعة، فإن هي رفضتها أرشدتها هذه المادة إلى إمكانية اللجوء إلى مسطرة الشقاق.  ويأتي هذا الإجراء ـ كما ورد في الدليل العملي لوزارة العدل ـ لتقييد حرية الزوج المُطَلق في ممارسة حق الرجعة بإعطاء المطلقة الاختيار بين القبول والرفض. وهنا يمكن تسجيل ثلاث ملحوظات:

                إحداها: أن المطلقة طلاقا رجعيا هي زوجة لمن طلقها، ولا تفترق عنه ببينونة إلا إذا انتهت عدتها بقوله تعالى: “وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا” . وعليه يكون إخبارها من طرف القاضي إجراء من أجل التوثيق فقط.

                والثانية: أن المادة لم تحدد مكان الإشهاد على الرجعة، وهل هو مكان الإذن بالإشهاد على الطلاق أم غيره؟ ثم ما العمل إذا تم في مدينة لا توجد فيها الزوجة ولم يعلم بمكانها؟

                والملحوظة الثالثة: أنها عسرت ما من شأنه التيسير، إذ لم تتناول طريقة الإخبار للزوجة، ولم تعالج ما إذا قام الزوج بالرجعة قبل نهاية العدة بوقت قصير، ولم يخبرها القاضي إلا بعد انتهاء عدتها ، وإخبارها الزوج بردها.                         

                المقترح:

                تُضبط هذه المادة بجعل وثيقة الإشهاد على الطلاق لا تعتبر نهائية إلا بعد نهاية العدة من طلاق رجعي. ويكون تدخل القاضي عند الرجعة من أجل التوثيق فقط.

                 2 – مقترح إلغاء اللجوء إلى مسطرة الشقاق للمعتدة من طلاق رجعي بسبب رفضها الرجعة:

النص الأصلي:

جاء في المادة 124 أن “للزوج أن يراجع زوجته أثناء العدة. إذا رغب الزوج في إرجاع زوجته المطلقة طلاقا رجعيا، أَشهدَ على ذلك عدلين، ويقومان بإخبار القاضي فورا. يجب على القاضي قبل الخطاب على وثيقة الرجعة استدعاء الزوجة لإخبارها بذلك، فإذا امتنعت ورفضت الرجوع، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المادة 94”.

المقترح:

يُقترح حذف الفقرة المتعلقة بالإحالة على “اللجوء إلى مسطرة الشقاق الواردة في المادة 94 أعلاه” من المادة 124، ويُحتفظ بالفقرة الأولى منها بعد تعديلها بالقول: “إذا رفضت الزوجة الرجعة تربصت بنفسها حتى تنتهي عدتها، وأعلمت المحكمة بذلك لتصدر الحكم النهائي بالطلاق”.

 التعليل:

                 هذه المادة أرشدت إلى إمكانية اللجوء إلى مسطرة الشقاق إذا رفضت أن ترجع إلى زوجها، ويبدو أن القصد هو احترامُ اختيارها الفُرقة، غير أننا نرى أن في اللجوء لمسطرة أخرى ضياعا للجهد وللطاقة فيما لا حاجة فيه. فلا يخفى أن الطلاق الرجعي مر بإجراءات مسطرية تحت إشراف القاضي، منها حضوره جلسة واحدة للصلح، أو اثنتين في حال وجود أولاد، وأنه أخذ وقتا وجهدا غير يسيرين من جميع الأطراف، فكان التوجيه إلى سلوك مسطرة الشقاق لتنفصل عن زوجها زيادة تكليف وعبء عليها، وعلى القاضي الذي يُطلب منه الإشراف من جديد على فُرقة هي محققة بانتهاء العدة.

                 3 – مقترح ضبط ومراجعة مسألة إيداع المستحقات  والتراجع عن الطلاق:

المواد الأصلية:

جاء في المادة 83 أنه “إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين، حددت المحكمة مبلغا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما، لأداء مستحقات الزوجة، والأطفال الملزم بالإنفاق عليهم، المنصوص عليها في المادتين المواليتين”.

 وجاء بعدها في المادة 86: إذا لم يودع الزوج المبلغ المنصوص عليه في المادة 83 أعلاه، داخل الأجل المحدد له، اعتبر متراجعا عن رغبته في الطلاق، ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة”.

               المقترح:

                إذا كان الصلح وحفظ الاستقرار الأسري أعز  ما يطلب، وهو مقصد شرعي، فإنه لا يمكن جمع ما استحال جمعه بالقوة، واعتبار الزوج متراجعا عن رغبته رغم أنه لم يعلن التراجع، وقد يكون سبب عدم وضع المستحقات هو الإعسار المادي.

                 ولأجل ذلك نقترح التمييز بين حالة الإعسار وغيره، فتعدل المادة 86 لتصير: “إذا لم يودع الزوج المبلغ المنصوص عليه في المادة 83 أعلاه داخل الأجل المحدد له لغير  إعسار، اعتبر متراجعا عن رغبته في الطلاق، ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة. أما إذا ثبت إعسار الزوج واستحالت الحياة الزوجية، فإنه يُؤذن للزوج يتوثيق الطلاق ويتكلف صندوق التكافل العائلي بأداء المستحقات دَينا عليه “

                 التعليل:              

                يسعى المقترح إلى حفظ أفراد الأسرة من جحيم الخلاف والشقاق، ورفع الإكراه عن الزوج الذي يرغب في الطلاق في الحالة التي يتعذر فيها استمرار العلاقة الزوجية؛ إذ الحياة الزوجية تُبنى على التراضي بين الزوجين، وبه يحصل التآلف والاحترام المتبادل بينهما، وحسن المعاشرة، وكل هذا يمتنع حين الحكم على الزوج بأنه متراجع عن الطلاق لعدم وفائه بأداء مستحقات الطلاق في أجل شهر، ولا شك أن في تضييق الأجل إكراها له على الرجوع لحياة زوجية ظهر للمحكمة استحالة استمرارها لتعذر الإصلاح بينه وبين زوجته.

                ولأجل ذلك ميزنا بين حالة الإعسار وغيره من جهة، ومن جهة أخرى يمكن اقتراح تمكين الزوج من دفع المستحقات على  أقساط ثلاث لمنع حصول الأسوإ حين الإبقاء على وضع غير صحي استحالت معه العشرة الزوجية.

                ثانيا – مقترحات بشأن التطليق بسبب الشقاق وغيره:

                 1 –مقترح بشأن تحديد مفهوم الشقاق:

النص الأصلي:

تطرقت مدونة الأسرة لما يعرف بالتطليق بسبب الشقاق، وجعلته حقا للزوجين معا. وذلك في مجموعة مواد تمتد من المادة (94) إلى المادة (97).

المآخذ على المواد:

                  سعت هذه المواد إلى  إعفاء المرأة المتضررة من سوء معاشرة زوجها مثلا، من أعباء إثبات الضرر الذي يلحقها، ويسرت لها سبل التحرر  والتخلص مما كانت تعانيه بسبب ذلك، حيث كانت تمكث أحيانا سنوات دون أن تبت المحكمة في طلبها التطليق بسبب تعسف الزوج في وضع العراقيل أمامها لرد قولها ونفيه؛ إلا أنه يُلحظ عليها مجموعة ملحوظات هي:

أ ـ ليس للتطليق للشقاق مفهوم محدد، ولذلك فهو  يعم جميع الخلافات الزوجية ما كان منها سببا للشقاق حقيقة، وما لم يكن كذلك، وهو ما فتح المجال للزوجين معا أن يلجآ إليه لأبسط الأسباب، والمحكمة ملزمة بقبول كل طلب للتطليق للشقاق.

ب ـ تتصف مسطرة التطليق بسبب الشقاق باليسر والسهولة في التخلص من الزواج، وهو ما يفسر ارتفاع نسبة اللجوء إلى اعتمادها، واستحواذه على باقي أنواع الفرقة الزوجية التي تكاد تغيب اليوم في محاكم الأسرة، نظرا لعدم الحاجة في مسطرة الشقاق إلى إثبات أسبابه بالنسبة للزوجة والزوج معا، ولا إلى بيان ما يؤكدها، بمقتضى المادة 97 التي جاء فيها أنه “في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و 84 و85 أعلاه”.

ج ـ يُلحظ أحيانا أن مدونة الأسرة تكون أجرأ من الزوجين على استعجال التفريق من خلال توجيه القضاء إلى تطبيق مسطرة الشقاق تلقائيا ولو لم تطلبه الزوجة.

د ـ بقدر ما يسرت مدونة الأسرة مسطرة الشقاق، ومكنت المرأة من التخلص من رابطتها الزوجية برغبة منها أو بسبب إضرار زوجها بها، بقدر ما وضعت حدا لفرصة المراجعة إلى الحياة الزوجية؛ لأن الفرقة بسبب التطليق للشقاق تقع بائنة، ولا تُبقي حظا لأن ترجع المرأة إلى زوجها وإن ندمت على تصرفها ورغبت في العودة إليه. وهذا ما ينبغي توعية النساء به وبخطورته.

المقترحات:

                يُقترح من أجل المعالجة ما يأتي:

                ـ تحديد مفهوم مسطرة الشقاق بدقة حتى لا يبقى مفهوما واسعا يحتمل كل خلاف يقع بين الزوجين. ويقترح إشراك جهات صلح قبل الوصول إلى القضاء.

                ـ تقييد اللجوء إلى مسطرة الشقاق بوجود الأسباب المحددة سابقا، فلا تستجيب المحكمة من طلباته إلا لِما كان شقاقا فعلا، يهدد استقرار العلاقة الزوجية، ويتعذر معه استمرارها، ووضعُ جزاء زجري عند التعسف في استعماله، كالحال التي يكون فيها الزوج هو من يدفع زوجته إلى طلبه.

                ـ التنصيص على اشتراط التوصل الشخصي بالاستدعاء إلى المحكمة في الشقاق كما في الطلاق الرجعي.

                2 ـ مقترح تحويل التطليق للشقاق عند عجز المحكمة عن الإصلاح بين الزوجين إلى ما يناسبه من أنواع الفرقة الزوجية:

النص الأصلي:

                ذكرت مدونة الأسرة في المادة أنه “في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و 84 و 85 أعلاه، مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر”.

                يلاحظ أن مدونة الأسرة فتحت الباب واسعا للزوجين لسلوك مسطرة الشقاق لطلب التطليق.

المقترح:

                يُقترح تقييد البت في قضايا الفُرقة الزوجية عن طريق مسطرة الشقاق، باقتراح توجيه القضاة ـ بعد الإشراف على محاولات الصلح وعجزهم عن تحقيقه ـ إلى تحويل طلب التطليق للشقاق إلى ما يناسبه من أنواع الفرقة كالطلاق الرجعي إذا كان المتسبب في الشقاق هو الرجل، أو الخلعي إذا كانت المتسببة فيه هي المرأة. وعليه تصير صيغة المادة 97  كما يأتي “في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، يمكن للمحكمة أن تحول مسطرة التطليق بسبب الشقاق بين الزوجين إلى مسطرة الطلاق الرجعي إذا ظهر لها أن الشقاق بسبب الزوج، أو إلى مسطرة الطلاق الخلعي إذا ظهر لها أن الزوجة هي المتسببة في الشقاق، أو تحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و 84 و85 أعلاه، إذا ظهر لها استحالة استمرار العلاقة الزوجية”.

التعليل:

                وقعت مدونة الأسرة بهذا الإجراء في تناقض مع دعوتها إلى جعل الفرقة تقع استثناء حسب ما نصت عليه في المادة 70 بقولها: “لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو بالتطليق إلا استثناء، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين لما في ذلك من تفكيك الأسرة والإضرار بالأطفال”.

                 وكان من نتائجه أنها جعلت قضاء الأسرة يشتغل تحت ضغط كثرة ملفات الشقاق المعروضة عليه، وإكراه التحديد الزمني للبت فيها؛ فإنه يحدث أحيانا أن يكون الزوج هو مصدر الشقاق والمتسبب فيه، ويسبق زوجته إلى تقديم طلب تطبيق مسطرة الشقاق للتخلص من الزوجية بأقل تكلفة، بدل اعتماد مسطرة الطلاق الرجعي تهربا من الواجبات الأسرية والمستحقات المالية المترتبة عليه، فوجب أن يحول طلبه إلى مسطرة الطلاق الرجعي.

                وأيضا يحدث أن تكون الزوجة هي من ترغب في الفرقة، ولا يكون لها ما يفيد تسبب زوجها في ذلك، فتلجأ إلى مسطرة الشقاق تهربا من دفع بدل الخلع، فوجب أن يحول طلبها إلى مسطرة الطلاق الخلعي.

                3- مقترح إشراك الزوجة في تحمل مسؤولية التسبب في طلب التطليق كما يتحملها الزوج:

المادة الأصلية:

                منحت مدونة الأسرة الحق للزوجة في طلب التطليق في المادة 98 بقولها: “للزوجة طلب التطليق بناء على أحد الأسباب الآتية:

                ـ إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج.

                ـ الضرر.

                ـ عدم الإنفاق.

                ـ الغيبة.

                ـ العيب.

                ـ الإيلاء والهجر”.

                يظهر من هذه المادة أن فيها بيان الأسباب التي تسمح للزوجة بالتوجه إلى القضاء من أجل طلب التطليق، وهي ستة أسباب؛ إما الإخلال بشرط من الشروط المتفق عليها عند إنجاز العقد، أو الضرر، أو عدم الإنفاق، أو غَيبة الزوج لمدة غير معتادة عن بيت الزوجية ولا متحملة، أو العيب، أو الإيلاء وهجر فراش الزوجية.

المقترح:

                يقترح تعديل المادة 98 لصيغة أخرى هي: ” للزوجين معا الحق في طلب التطليق للغيبة. وللزوجة الحق في طلب التطليق للأسباب الآتية:

                ـ إخلال الزوج بشرط من الشروط المتفق عليها في العقد.

                ـ الضرر

                ـ عدم الإنفاق

                ـ العيب

                ـ الإيلاء والهجر”.

التعليل:

                يُلاحظ أن بعض أسباب طلب التطليق يمكن أن تصدر من المرأة كذلك، لكن مدونة الأسرة خصت الرجل بالتسبب فيها لإثبات حق المرأة في رفع الضرر عنها، ولكونه يملك أن ينهي الزوجية بغير اعتماد مسطرة الشقاق.

                لكن ظاهرة استفحلت اليوم، تحتاج إلى إشراك المرأة في تحمل مسؤوليتها فيها، وهي الغَيبة عن بيت الزوجية، فإنه لم يعد مقتصرا على الرجل، ولكن صارت تمارسه المرأة كذلك، كالحال ـ مثلا ـ التي تلتحق فيها الزوجة للعمل لمدة مؤقتة بالخارج، ثم تمتنع عن الرجوع إلى بلدها حيث بيت الزوجية. وهذا ما يفرض التنصيص على تحميلها المسؤولية لطلب التطليق لهذا السبب.

                 4 – مقترح تثبيت التوجه القضائي بعدم استحقاق الزوجة المتعة إذا حصلت الفرقة بطلب منها:

                رتبت مدونة الأسرة مجموعة مستحقات مادية في ذمة الزوج لفائدة زوجته عند تعذر الإصلاح بينهما، وبينت المادة 84 هذه المستحقات بقولها: “تشمل مستحقات الزوجة الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة، والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه”.

                يظهر من هذه المادة أنه يُقضى للزوجة بهذه المستحقات سواء كانت هي التي تطلب الإذن بالطلاق من المحكمة، أو كان زوجها هو من يطلبه، وسواء كان هو من يرفض الصلح، أو كانت هي التي ترفضه بمسوغ أو بدون مسوغ معقول، فيُقبل قولها دون أن تعلل رفضها. ويبدو أن في هذا إجحافا في حق الزوج؛ لأنه كيف يكون مرفوضا من طرف زوجته بنشوزها وطلبها التطليق، ثم يُكلف هو بدفع مستحقات فرقة تُفرض عليه ولا يريدها. وهذا الأمر انتبهت إليه محكمة النقض وتبعتها في ذلك محاكم الموضوع، وأصبح العمل القضائي بالمغرب يرفض طلب الزوجة الحصول على المتعة في حالة تقدمها بطلب الفرقة وفك عصمتها من زوجها.

                المقترح:

                يُقترح إنصاف الزوج بأن يُقيد دفعه مستحقات المتعة للمطلقة بما إذا كان طلب الإذن بالطلاق من قِبله، بناء على قاعدة تحميل نتائج الفعل لمن يتسبب فيه، ويُعفى من تبعات التطليق إذا كان بطلب منها وهو لا يريده ولا يرغب فيه، وذلك باقتراح إضافة فقرة إلى المادة 84 من مدونة الأسرة، يكون نصها كما يأتي: “إذا كانت الزوجة هي من تطلب الفرقة، يعفى الزوج من واجب المتعة”.

                 5 – إلزام الزوج بإيداع المستحقات قبل حكم القاضي بالتطليق:

                نصت المادة 97 من مدونة الأسرة على أنه “في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بالتطليق، وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و84 و85  أعلاه”.

                المقترح:

                يُقترح ما يلي: ” في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بإيداع الزوج المستحقات طبقا للمواد 83 و84 و85  أعلاه ثم تحكم بالتطليق”.

                التعليل:              

                يظهر من هذه المادة 97 أنها جعلت المحكمة ـ عند تعذر الإصلاح بين الزوجين واستمرار الشقاق ـ تجمع بين الحكم بالتطليق وبالمستحقات في آن واحد، وهذا الجمع بينهما يُخشى منه أن يفتح المجال لبعض الأزواج بالاستفادة من قبول الحكم بالتطليق، والتهرب من دفع المستحقات، وفي ذلك ضرر بالمرأة. وسدا لذريعة حصول هذا الضرر  على المرأة يقترح بناء الحكم بالتطليق على إيداع الزوج المستحقات.

                ثالثا – مقترح تفويت بعض صور الطلاق إلى العدلين الموثقين تخفيفا على القضاء:

                 فرضت المادة 79 على من يريد الطلاق أن “يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد عليه لدى عدلين منتصبين لذلك”. وبمقتضى المادة 81 فإنه “تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح” وبمقتضى المادة 82 فإنها “تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب حكمين، أو مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح، تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما”.  وإذا تعذر الإصلاح بين الزوجين فإن المحكمة ـ بمقتضى المادة 83 ـ  تحدد مبلغا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما لأداء مستحقات الزوجة والأطفال..”.  وحسب المادة 87 فإنه “بمجرد إيداع الزوج المبلغ المطلوب منه، تأذن له المحكمة بتوثيق الطلاق لدى العدلين داخل دائرة نفوذ نفس المحكمة”.

                هذه بصورة مختصرة الإجراءات المسطرية التي يجب على من يرغب في الطلاق اتباعها لتوثيقه، وهي تفرض أن يتم تحت إشراف القضاء ومراقبته من أجل ضمان إجراء الصلح بين الزوجين، ومنع تعسف الأزواج في ممارسة الطلاق تأمينا لمستحقات الزوجة والأبناء عند إيقاعه. وهذه الإجراءات لا شك أنها تتطلب جهازا قضائيا كبيرا، وتتطلب جهدا، وتأخذ وقتا لا يقل عن شهرين للبت في كل حالة على حدة.

                التعليل والمقترح:

                بما أن مدونة الأسرة أوضحت أنواع الفرقة الزوجية، وذكرت أن منها ما لا يخضع لمسطرة الصلح نظرا لتراضي الزوجين عليه كالحال في الطلاق الاتفاقي بين الزوجين الذي نصت عليه المادة 114، والحال في الطلاق بالخلع عند الاتفاق عليه الذي نصت عليه المادة 115؛ فإنه يُقترح أن لا يخضعا لإجراءات الطلاق العادي ومسطرته عند القاضي، وذلك تخفيفا على القضاء حتى يتفرغ لمشاكل أخرى أشد وأعوص يستثمر وقته فيها، وأن يُسند أمر توثيقهما إلى العدلين الموثقين مباشرة، وهما يتكلفان بإخبار القضاء من أجل التحرز من عدم حدوث أي خلل فيه، ثم تسجيله. ويُضمن طلب الفرقة في هاتين الصورتين التزاما من الزوج مصادقا عليه بضمان مستحقات وحقوق الأبناء.

المحور الثاني مقترحات دعم المؤسسات الخادمة لمقاصد مدونة الأسرة في بناء الفرد وإصلاح الأسرة:

توطئة:

                يعد هذا المبحث خادما لسابقه، فهو ينطلق من كون القوانين وحدها مهما كانت راقية، تحتاج لكي تثمر إلى مؤسسات داعمة لها، توفر البيئة لحسن تنزيلها. ومنها مدونة الأسرة، فإنها تحتاج لتحقيق مقاصدها إلى العناية بالفرد ـ ذكر  وأنثى ـ من خلال الاهتمام بجانب القيم من طرف الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والإعلامية والدينية، وفي البرامج الحكومية … وهذا ما سيأتي توضيحه في المطالب التالية:

المطلب الأول- الاهتمام بجانب القيم في الأسرة وفي البرامج التعليمية والإعلامية:

أولا – مسؤولية الأسرة في التربية على القيم:

                يرتبط هذا الموضوع بما ذكرته مدونة الأسرة في المادة 164 بشأن مسؤولية الأبوين في حضانة الأبناء بقولها: “الحضانة من واجبات الأبوين ما دامت علاقة الزوجية قائمة”. وأوضحت معنى الحضانة في المادة 163 بقولها: “الحضانة هي حفظ الولد مما قد يضره، والقيام بتربيته ومصالحه”. من هنا جاء هذا المدخل في سياق الحديث عن المقترحات بشأن الإصلاح الأسري، إذ المستهدف بأي قانون هو الإنسان بجنسيه، ولذلك ينبغي أن يتهيأ تهيؤا قبليا للانسجام مع فلسفته ومقاصده.

                من أجل ذلك يتحتم على الوالدين اليوم ـ باعتبارهما مسؤولين شرعا عن تربية أبنائهما في الصغر ـ تربيتهم على تمثل هذه القيم الإنسانية والحضارية أكثر من أي وقت مضى؛ لأن ما يعانيه المجتمع هو أزمة قيم، وضعف أخلاقي مجتمعي، نشأت بفعل مؤثرات خارجية زاحمت سلطة الأسرة في مسؤوليتها فأفرزت ظواهر اجتماعية غريبة عن بيئتنا وأعرافنا.

                إنها مسؤولية الأسرة بالدرجة الأولى أن تسترجع وظيفتها في التربية باعتبارها المحضن الأول للأبناء ـ رجال الغد ـ فيها ينشأ الولد، ومنها يتلقى أفكاره، وعند أبويه يصحح معلوماته ويكسب ثقته. وهي مسؤولة عن تعهده بالتربية منذ صغره من أجل تأهيله للقيام بوظيفته.

                والواقع يؤكد أنه ليس هناك مؤسسة يؤتى لها من الظروف ما يجعلها تقوم بهذا العمل أحسن من مؤسسة الأسرة، فهي المحضن الأول للطفل، وعلى الوالدين تقع المسؤولية الشرعية في حسن تربيته في صغره. ويُقترح للقيام بهذه المسؤولية بنجاح ما يلي:

                1 ـ تمكينُ الأسرة من تربية أبنائها بتمكين الأم العاملة خارج البيت من عطلة الأمومة مؤدى عنها كليا في الحولين الأولين، ومن إمكانية عطلة إضافية من سنة غير مؤدى عنها، وقابلة للتجديد إلى بلوغ الطفل ست سنوات.

                2 ـ تنظيم برامج محو الأمية والتربية على القيم الأسرية لدى الأمهات والآباء، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن إعداد الأم لمهمة التربية أساس البناء الحضاري.  

                3 ـ مساعدة الآباء بتنظيم دورات تدريبية وبرامج تكوينية وتأهيلية في التربية.

                4 ـ تخصيص الدولة اعتمادات مالية خاصة ببرامج التوعية الأسرية الهادفة.

                5 ـ دعم الدولة البرامجَ الإعلامية المختصة في الاستشارات النفسية والتربوية للأطفال والعناية بها، فإنها جد مهمة في التوجيه التربوي.

                ثانيا – مساهمة المؤسسات التعليمية في التربية على القيم:

                تأتي مساهمة المؤسسة التعليمية في الإصلاح، باعتبارها مؤسسة يلجها كل أبناء المجتمع بدءا من مرحلة الطفولة، وتختص بتنميةِ عقولِهم، وتهذيبِ سلوكِهم. وبذلك تكون وظيفتها مكملة لوظيفة الأسرة في التنشئة الاجتماعية. ويتنوع تدخلها بحسب المراحل العمرية للطالب الذي يلجها، إذ إن لكل مرحلة عمرية مقترحات تناسبها، ولذلك يُقترح ما يلي:

                 1 – اعتماد مادتي  التربية الخلقية، والأسرية في جميع مستويات الدراسة:

                والمراد بهذا العنصر أن تحضر هذه المادة في جميع أسلاك الدراسة التي يمر منها التلميذ من رياض الأطفال، إلى أقسام الباكلوريا، ويكون لها أعلى مُعامِل في الدرجات، وأن تتميز في خطابها بمناسبتها للمراحل العمْرية للتلاميذ في كل سلك دراسي، وأن تجعل من مقاصدها تصحيح الأفكار والتصورات العقدية، وتهذيب السلوك من خلال غرس القيم الإنسانية النبيلة التي يفترض أن يلتزم بها كل أبناء المجتمع، باعتبارها قيما جامعة تروم تنمية روح المواطنة الإيجابية التي يبدأ غرسها في الوسط الأسري، وتهدف إلى تحقيق التماسك، والوحدة، والتراحم، والتعاون على الخير لديهم.

                 2 – إحداث مادة  العلاقة الأسرية وفقهها:

                يهم هذا المقترح إحداث مادة خاصة بالعلاقة الأسرية لفائدة جميع الطلبة بالجامعة والمعاهد العليا، وفي جميع التخصصات العلمية، والتقنية، والأدبية، والاقتصادية، والطبية حتى تكون من المعلوم من المعرفة عندهم بالضرورة. وفي هذا تنمية لمعارفهم حول الأسرة. ويمكن تضمين هذه المادة بعض الصور المشرفة من السيرة النبوية، يستوعبون من خلالها القيم الأسرية المثلى في عهد القدوة والاستبصار.

ثالثا – مساهمة الخطاب الإعلامي في الاستقرار الأسري:

                لا يجادل أحد فيما للإعلام بمختلف وسائله من تأثير في التوعية والتوجيه، نظرا لمخاطبته شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، وذلك كل يوم، فهو وسيلة لتبليغ المعلومة، وأيضا لتوجيه المستمع والتأثير عليه كي يقتنع بصحة رؤية معينة أو نجاعة سياسة متبعة، ثم هو وسيلة لتنوير الرأي العام بما يحتاجه في مجالات متعددة.

                ويُقترح لمساهمة الخطاب الإعلامي في دعم الاستقرار الأسري ما يلي:

أ ـ إنجاز  وبث برامج تثقيفية في الشأن الأسري:

                والمراد بها إنجاز برامج للتوعية تحت تسميات تصب في هذا الاتجاه نحو “مستشارك القانوني” أو “مع الأسرة” أو “من أجل أسرتي” .. يكون الغرض منها إحاطة الناس بما جاءت به مدونة الأسرة من إجراءات إدارية، وقانونية لإنجاز العقد، واستيعاب ما سطرته من حقوق فردية، أو مشتركة لتمكين المتعاقدين من معرفة الآثار المترتبة عن العقد..

ب ـ إنتاج برامج خاصة بتثبيت القيم الأصيلة والعادات الحميدة في المجتمع:

                وذلك نحو برِّ الوالدين من أجل تثبيت، وحفظ مركزية الأب والأم الاعتبارية داخل الأسرة، بعيدا عن أي مزايدات تُذكي الصراع داخل الأسرة، والتواصل والحوار الأسري عبر التركيز على القيم الجامعة للحمة الأسرة نحو التواضع، والتعاون، والتسامح، والاحترام، وتقدير جهود الآخر  وشكرها، ونبذ الغرور  والأنا، وبث ثقافة الوئام بين الأزواج من مودة ورحمة، وإيثار  وتكافل لتحصين علاقة زوجية من أي شنآن أسري.

ج ـ تخصيص الدولة اعتمادات مالية لمكافأة البرامج الإعلامية الناجحة في مجال التوعية الأسرية:

                ذلك أنه بالتحفيز  يحصل الإنتاج ويقوى الإبداع. وتتنوع برامج التوعية الأسرية لتشمل مجالات متعددة منها، تُتوج بتنظيم مسابقات سنوية يتم فيها تصويت الجمهور على اختيار واحد منها.

رابعا- إسهام الخطاب الديني في تثبيت الاستقرار الأسري:

                يملك الخطاب الديني مساحة مهمة في مشروع بناء الفرد وإصلاح الشأن الأسري؛ لِما له من جمهور واسع يُصغي إليه، وأيضا لِما لِأهله من شخصية اعتبارية في المجتمع تجعل خطابهم يحظى بالثقة والقبول، ثم لِما يتحمله من مسؤولية في التوجيه والتوعية.

                من أجل ذلك وجب أن يقترب الخطاب الديني من هموم المجتمع، وانشغالات الناس اليومية وخاصة منها الأسرية .. وهذا أمر لا ينبغي أن يُترك لحرية اختيار الواعظ أو خطيب الجمعة، بحيث يجعل تدخله مرتبطا بمناسبات معينة؛ ولكن يحتاج إلى أن يندرج ضمن برنامج مهيإ بعناية، وأن تكون قضية الأسرة ومتعلقاتها من بين اهتمامات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية باعتبارها الجهة المسؤولة عن الأمن الروحي للأفراد، وعن السلم الاجتماعي في البلد. وتشمل مجالات تدخل الخطاب الديني في الموضوع خطبة الجمعة التي يلتزم الناس بحضورها أسبوعيا، ثم حلقات الوعظ والإرشاد في المساجد وعبر المنصات الرقمية، وأخيرا عبر مراكز الإنصات والتوجيه الديني الأسري، وهو مدخل تكميلي للمدخلين السابقين تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لحفظ الأمن الروحي للفرد والأسرة والمجتمع عبر إنشاء مركز وطني للإنصات يُعنى بالتوجيه الديني في شؤون الأسرة.  . (وضع خط هاتفي أخضر مثلا لهذه الغاية)

المطلب الثاني  دعم برامج مؤسسات الخدمة الأسرية:

                تعد هذه المؤسسات جزءا من مؤسسات المجتمع المدني، يقوم عليها طاقم إداري مختص في الإدارة والقانون وعلوم الشريعة مما له علاقة بشؤون الأسرة، وفي علم الاجتماع وعلم النفس، وتختص بالاهتمام بمؤسسة الأسرة من حيث تأطير المعنيين بالزواج معرفيا، وتتبع مشروع الزواج عند انعقاده بناء على أن وعي الأزواج أهم من فاعلية النص التشريعي مهما كان راقيا، ومن وجود عدالة قضائية ناجعة؛ لأن الوعي إذا حصل في المجتمع، يخفف من تكلفة التدخل الإداري والقضائي. وتتجلى وظائفها فيما يلي:

  1. تنظيم برامج توعية وتأهيل الشباب المقبلين على الزواج :

تنظم هذه المؤسسات دورات تكوين وتأهيل الشباب وفق برنامج محدد يسعى إلى تقديم المعرفة، وتصحيح الأفكار والتصورات عن الزواج، هل هو من خصوصيات الفرد الذي يريد الزواج أم يشترك معه فيه غيره؟ 

ويدور أمر زواج الشباب اليوم بين متسرع إلى تحقيقه ومتخوف منه. وهذا ما يسعى برنامج التوعية إلى معالجته باعتماد وسيلتين في التوعية هما:

ـ التوعية بمؤشر الشروع في التهيئة للزواج.

ـ التوعية باستحضار الواقعية في الزواج.

  • تنظيم دورات تصحيح المفاهيم في قضايا الأسرة:

                إن من أكثر ما يهدد الأسرة المغربية اليوم هو تلك الأفكار والمفاهيم الخاطئة لمصطلحات متداولة اجتماعيا، أو وردت في مدونة الأسرة وأسيء فهمها.. وتضع مؤسسات الخدمة الأسرية ضمن جدول أعمالها محورا خاصا بها للتصحيح في إطار برامجها التي تعقدها لفائدة المقبلين على الزواج، ومنها مثلا مفهوم الحب وحقيقته، والخِطبة، والزواج، والطلاق وخطورته، والمساواة، والحرية، والواجبات والحقوق الأسرية وغيرها….

  • تنظيم دورات للتدريب على الحوار:

                وتختص هذه الدورات بتعليم وتنمية مهارة الحوار لدى المقبلين على الزواج والمتزوجين حديثا، من خلال عقد لقاءات يتم فيها التنبيه إلى التعرف على أهمية الحوار الأسري وممارسته، في تحقيق الألفة والدفء العائلي ومعالجة الاختلافات الأسرية. وكذلك إلى كيفية تبادل الأفكار عن الحياة المشتركة، وإقامة علاقات حوارية داخل الأسرة، وبيان خطورة رفض الحوار، والتشكيك في السلوك، واللجوء إلى الاستبداد بالرأي وإقصاء الرأي الآخر، وإساءة المعاملة.

                إن من مهام مؤسسات الخدمة الأسرية أيضا أن تسهر على رعاية الأسر في بداية بنائها مثلما يرعى الفلاح الفسيلة حين يغرسها، فإنه إذا لم يحرسها ويعمل على حمايتها من الطفيليات لن تعيش، وكذلك الشباب حديثو عهد بالزواج يواجهون مجموعة تحديات طبيعية لاستقرار الأسرة، نظرا لحداثة العهد بالزواج، والحاجة إلى بعض الوقت للتأقلم مع وضع جديد يأتي بمتطلباته ومشاكله التي إذا لم يحسنوا معالجتها ربما تنهار أسرهم.

                ولقد أثبتت بعض الدراسات عن الأسرة في ألمانيا أن التوافق بين الزوجين حديثي عهد بالزواج، وبناءَ التفاهمات لديهما، يحتاج إلى ثلاث سنوات نظرا لاختلاف التصورات وتغير الوضع عما كان عليه الأمر قبل الزواج، مما يفرض الحاجة إلى مرافقة ومتابعة ومصاحبة خارجية لقضائها بنجاح.

                المطلب الثالث- مقترح معالجة معوقات عمل قضاء الأسرة:

                يعد قضاء الأسرة عاملا مهما في حسن تنزيل مواد مدونة الأسرة وتحقيق مقاصدها، لكن الواقع العملي يظهر منه أنه يعيش تحديات كبرى تحول دون نجاحه في مهمته. فعلى الرغم من الجهود التي بذلت في سبيل تخصيص مقرات لقضاء الأسرة والعناية بتأهيل الأطر المختصة في الشأن الأسري؛ فإن واقع قضاء الأسرة يفيد أنه لا يزال يعاني من مجموعة إكراهات وتحديات تحد من فاعليته ومن نجاحه في مهامه. من أجل ذلك جاءت هذه المقترحات للتغلب عليها:

أولا – مقترح زيادة عدد الأطر القضائية:

                يعاني قضاء الأسرة من نقص في الموارد البشرية في القضاة وفي الطاقم الإداري المساعد له؛ ويظهر هذا التحدي بالنظر إلى عدد القضايا المعروضة على القضاء مع عدد أفراده، وهو ما أكده عدد من التقارير الرسمية والمدنية.

                ولا شك أن لهذا النقص في عدد القضاة في سائر أقسام قضاء الأسرة تأثيرا سلبيا على عملهم، إذ يجعلهم يشتغلون تحت ضغط ضيق الوقت. من أجل ذلك يقترح الاهتمام بالزيادة في الموارد البشرية المعنية بمواد مدونة الأسرة من هيئة قضائية وإداريين ومساعدين اجتماعيين، من أجل حسن أداء رسالة القضاء، واستيعاب الضغط الذي يمارسه المتقاضون، وتحقيق العدالة في أحكام قضاء الأسرة”.

ثانيا – تنظيم برامج التكوين المستمر للمتدخلين في الشؤون الأسرية:

               يفرض تطور المجتمع وما ينشأ عنه من مستجدات مؤثرة على العلاقات الأسرية تنظيم دورات للتكوين المستمر، تناسب اختصاصات المتدخلين في مجال الأسرة من قضاة الحكم والنيابة العامة ومساعدي القضاء، وموظفي أقسام الأسرة من أجل التأهيل والرفع من الكفاءة المهنية، والتمكين من القدرة على مسايرة المستجدات والإشكالات العملية التي يعرفها مجال الأسرة، وتجويد الأداء داخل أقسام قضاء الأسرة لحسن التعامل معها، وتحقيق الجودة في إنتاج الأحكام القضائية.

                لقد ختمت مدونة الأسرة موادها بالمادة 400 ونصها هو: “كل ما لم يرد في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”. وهذا ما يؤكد أهمية الخضوع لبرامج تكوين مستمر يكتسب فيه القاضي مهارة تنزيل مواد مدونة الأسرة على الوقائع، ويستطيع تكييفها على النوازل .. وإنه بقدر تعمقه الفقهي بقدر ما يضفي الروح الإيجابية على نصوص المدونة.

                ويرتبط بالنجاعة في تحقيق الاستقرار الأسري من جهة قضاء الأسرة بالإضافة إلى ما ذكر، إعمال المقترحات التالية:

                أ ـ  أن لا  يتعين من القضاة للفصل في قضايا الأسرة إلا من يتخرج من قسم قضاء الأسرة بالمعهد العالي للقضاء. وأن لا يجمع في الممارسة بين القضاء الأسري والحكم في مسائل جنحية أو جنائية أخرى.

                ب ـ يشترط في قاضي الأسرة أن يكون متزوجا؛ لأن المتزوج يملك نصيبا من التجربة، ويمكنه على الأقل أن يتصور المشاكل الأسرية على خلاف غيره.

                ج ـ أن تعطى الأولوية في تعيين القضاة بالجهات والمناطق لأبنائها الذين نشؤوا فيها؛ لأنهم أعرف من غيرهم بأعرافها وتقاليدها وثقافة أهلها.

المطلب الرابع: دعم المؤسسات الموازية لمؤسسة قضاء الأسرة .

                إن الاستقرار الأسري يحتاج إضافة لما سبق إلى الاستعانة بمؤسسات موازية خادمة للشأن الأسري ومن ذلك:

أولا – دعم مؤسسات الوساطة الأسرية ووضع قانون لتنزيلها:

                ليست مؤسسات الوساطة الأسرية بديلا عن قضاء الأسرة، ولكنها مؤسسات موازية خادمة لوظيفته في نشدان الصلح بين الزوجين، إذ تعمل على التخفيف على القضاء، فلا يصل إلى المحكمة إلا ما استعصى عليها من حالات النزاع الأسري. ويظهر أن تدخلها في الإصلاح بين الأزواج يكون أنجع من تدخل القضاء لِما يلي:

                1 ـ ابتعاد محل اشتغالها عن فضاء المحكمة التي يبعث مجرد الدخول إليها في اعتقاد البعض على التهيئ للخصومة لا للمصالحة. وأيضا نظرا لطبيعة الخلافات الأسرية وخصوصياتها.

                 2 ـ توفير أجواء مناسبة لبسط الخلاف الأسري وتبادل الرأي فيه بهدوء، على خلاف الأجواء التي تمر فيها جلسات الصلح بالمحكمة، والتي تتميز بضيق غرفة المشورة وازدحام المتقاضين، وعدم تمكن القاضي من تخصيص وقت كاف لحسن الاستماع.

                3 ـ عدم خضوع عملها للضغط الذي تفرضه كثرة الملفات على القضاء مما يضطر المحكمة إلى تعجيل الحسم فيها..

                4 ـ تحرر أطرها من الاشتغال وفق التوقيت الإداري، إذ يمكنهم العمل والتنقل خارج مقرات المؤسسة بخلاف عمل جهاز القضاء.

                5 ـ تعدد وسائل مؤسسات الوساطة الأسرية المعتمدة لتحقيق المصالحة والوصول إلى اتفاق بين الزوجين، بخلاف جلسات الصلح بالمحكمة التي يقوم بها القضاء فإنه يُعتمد فيها على مسطرة واحدة لا تتغير.

                6 ـ امتلاك مؤسسات الوساطة الأسرية فريقا متمرسا في قضايا الصلح، يملك من الأهلية العلمية والمهارية والنزاهة ما يجعله يحظى بالاحترام في المجتمع، إذ الأصل فيه أن يتكون من خبير تربوي شرعي وقانوني، وأخصائي اجتماعي وطبيب نفسي يتكاملون في القيام بمهمة الصلح.

                وإذا ظهرت أهمية مؤسسات الوساطة الأسرية في تثبيت الاستقرار الأسري فإنه يجب توفير الموارد المالية لدعمها من طرف وزارة الأسرة والتضامن، وتحفيزها لفتح فروع لها حيث توجد أقسام قضاء الأسرة، وإصدار قانون ينظمها.

ثانيا – عقد شراكة مع مراكز البحث الأسرية بالجامعة:

                لا شك أن اهتمام البحوث الجامعية بالدراسات الميدانية ومنها ما يرتبط بشؤون الأسرة يجعل الجامعة منفتحة على محيطها الاجتماعي، مساهِمة في رصد عناصر الخلل في البناء المجتمعي، واقفة عن قرب على تحديات بناء الأسرة وأسباب تفككها، والعناصر المؤثرة في ذلك، ومدركة لمدى قوة أو ضعف المنظومة القانونية والتطبيق القضائي لمدونة الأسرة بناء على مواكبة علمية لما يجري في محاكم قضاء الأسرة خاصة.  من أجل ذلك يقترح ما يلي:

                أ ـ إنشاء ودعم مراكز بحث جامعية ومختبرات تعنى بالشؤون الأسرية تعمل على تحقيق ما يلي:

           ـ    رصد واقع وتحديات الأسرة ووضع الأطفال فيها.

ـ               تتبع مدى استقرار الأسرة في ظل مدونة الأسرة.

                ـ دراسة سبل انخراط المؤسسة التعليمية والدينية والإعلامية في تحصين الأسرة من التفكك.

                ـ تتبع مسار تطبيق مدونة الأسرة وموانع تنزيلها الثقافية والاجتماعية والعرفية.

                ـ بحث وظيفة المؤسسة الدينية والتشريعية في تثبيت وحماية القيم الحضارية الأصيلة في المجتمع.

           ـ    تقديم مقترحات لمعالجة أسباب العزوف عن الزواج وارتفاع نسبة الطلاق.

                ـ دراسة آثار الخلافات الزوجية والتفكك الأسري على نفسية الأطفال وتحصيلهم الدراسي.

           ـ    إعداد دليل فقهي وقضائي لفائدة قضاة الأسرة لتيسير العمل والاجتهاد القضائي.

                ب ـ عقد مؤتمرات وندوات في قضايا الأسرة:

                من شأن تنظيم مراكز البحث للمؤتمرات والندوات في قضايا الأسرة أن تقدم خدمة مهمة للأسرة من حيث بناؤها واستقرارها، فهي فرصة للتلاقي المباشر بين المختصين ولبناء علاقات علمية واجتماعية بينهم، وتبادل الرأي والخبرات والتجارب من خلال المحاضرات واللقاءات والمحادثات، وعنها ينبثق اقتراح مشاريع أعمال جادة. وإن أهميتها تظهر فيما يلي:    ثالثا – تنظيم الأسبوع الوطني للأسرة:

                هذا آخر ما يُقترح لتتويج التفاعل الإيجابي بين جميع المؤسسات الحكومية وهيئات المجتمع المدني من أجل  تحصين الاستقرار الأسري. وهو أن يُعلَن رسميا عن تنظيم أسبوع وطني للأسرة، تشرف عليه وزارة الأسرة والتضامن بالتنسيق مع الوزارات المعنية، يتخذ شعار “من أجل مجتمع قوي بأسرته السليمة”. وهو فرصة لبناء المجتمع وتقويته من مدخل مؤسسة الأسرة بجميع مكوناتها.

               ويتميز تنظيم الأسبوع الوطني للأسرة المقترح بكونه أسبوعا وطنيا تشارك فيه جميع المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والثقافية والرياضية والفنية الوطنية والمحلية ببرامجها ذات الأهداف الواضحة.  وينظم مرة واحدة كل سنتين اثنتين، تخصص الأولى للإنجاز ثم التقويم، والثانية للإعداد.

                ومن أهداف هذا الأسبوع   ـالمساهمة  تعزيز جسور التواصل بين الأسر، والتخفيف من أعباء متطلبات الزواج عن الأسر المعوزة عبر تنظيم حفلات تزويج جماعية ودعمها ماديا ومعنويا. وكذلك ـ تقريب الخدمة للأسرة معرفيا وصحيا ونفسيا ..

            خاتمة:

                هذه مذكرة مركز المقاصد للدراسات والبحوث بشأن تعديل مدونة الأسرة المغربية، تضمنت مجموعة مقترحات همت في قسمها الأول بعض مواد المدونة من أجل تعديلها، وهي خلاصة عدة توصيات، ونتائج أعمال وأنشطة بحثية نظرية وميدانية حولها، نظمها المركز وشارك فيها خبراء وعدول ومحامون، وآخرون من الممارسين للعمل القضائي تمت مقابلتهم.  منذ بدء العمل فيها في 2004، كما همت في قسمها الثاني رؤى ومقترحات خادمة للشق القانوني في مجال تنظيم الأسرة، معرفية، وثقافية، واجتماعية، ودينية، تتكفل بها عدة جهات حكومية ومجتمعية تلامس باختصاصها وعملها قضايا الأسرة.

                وينطلق الجمع بين هذه المقترحات بقسميها من منطلق كون القانون وحده مهما سما في مضامينه يبقى عاجزا لوحده عن تأمين استقرار الأسرة وتماسكها، وذلك لكون الشأن الأسري ليس شأنا قطاعيا مستقلا بنفسه، ولكنه شأن مجتمعي يحتاج إلى تكاثف جهود جميع المؤسسات ذات الارتباط الجزئي أو الكلي بالشؤون الأسرية بهدف خدمة مؤسسة الأسرة وتماسكها واستقرارها.

                وتتويجا لهذه المقترحات يمكن تقديم مجموعة توصيات لإنجاح ورش خدمة الأسرة من جانب القانون لتنظيم بنائها وضمان حقوق أفرادها، ومن جانب الدراسات حولها، تأتي هذه التوصيات ب:

                ـ إنشاء مركز وطني لقضايا الأسرة يختص برصد مختلف التغيرات الاجتماعية، والوقوف عند مكامن الاختلالات التي تمس المنظومة القانونية والقضائية، وتتبع الإشكالات العملية الحاصلة في تنزيل مدونة الأسرة، واقتراح حلول للمشكلات المعروضة، وإعداد التصورات. ويتوج المركز عمله بإصدار دوريات ومنشورات مكمّلة ومبينة ودلائل أسرية عملية لمواكبة المستجدات المؤثرة على نمط الاجتماع وعلى العلاقة بين الأسرية.

                ـ إحداث شراكة حقيقية بين الجهة الحكومية المكلفة بالأسرة وسائر المؤسسات ذات الصلة بالشأن الأسري من أجل الاشتراك في خدمة التأمين الأسري، وتخفيف العبء عن القضاء.

                ـ  تعزيز الدور الاجتماعي للأفراد بتوعيتهم بأهمية الوقف من أجل الأسرة، وأيضا للدولة فيما له علاقة بتحسين الوضعية المادية للشباب المعوزين قصد الزواج، وللأسر الفقيرة قصد الاهتمام بأبنائها وضمان استكمال دراستهم. وقد ظهر من خلال البحث أن أغلب المشاكل الأسرية إنما ترجع لسبب اقتصادي خالص لا يد للزوجين فيه.   

شاركها.

الحسين الموس، أكاديمي مغربي من مواليد الراشدية، حاصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله. أصدر عدة كتب منها "تقييد المباح" و"مدونة الأسرة". شغل منصب أستاذ بالأقسام التحضيرية سابقاً، ويعمل حالياً مديراً لمركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط.

تعليق واحد

  1. البشير القنديلي on

    مقترح التعديلات هذا مواكب في عمومه لمستجدات المجتمع المغربي، ومنسجم في عمومه مع قواعد التشريع ومقاصده المرعية

اترك تعليقاً

Exit mobile version