يتناول هذا البحث قضية فقهية قانونية اجتماعية، ذاتَ أثر كبير على استقرار المجتمع ولبنته الأساس، التي هي الأسرة، وهي قضية التوثيق الرسمي للزواج، وحالةُ ما إذا تم الزواج فعلا بدون هذا التوثيق الرسمي القانوني.
ورغم صغر حجم البحث فقد عالج الأستاذ الدكتور أحمد كافي قضيته وجلاها: فقهيا وقانونيا واجتماعيا.
ومما يجدر استحضاره بين يدي هذا البحث، ما أضفاه الشرع على عقد الزواج من توجيهات واشتراطات خاصة، لا يحظى بها أي عقد أو تعاقد آخر. وحسبنا في ذلك أن الله تعالى سماه {مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]. فيجب أن يكون هذا العقد معظما ومحصنا، سواء قبل عقده أو بعد عقده.
وقد اعتبر الفقيه الحنفي الإمام الكاساني أن المهر نفسه إنما شرع لإضفاء مزيد من التعظيم والاحترام لعقد الزواج وللزوجة تحديدا. قال رحمه الله: “مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة. ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكرمة عند الزوج. ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصول إليها إلا بمال له خطر عنده، لأن ما ضاق طريق إصابته يعز في الأعين فيعز به إمساكه، وما يتيسر طريق إصابته يهون في الأعين فيهون إمساكه، ومتى هانت في أعين الزوج تلحقها الوحشة، فلا تقع الموافقة، فلا تحصل مقاصد النكاح”[1].
ومن هنا تأتي أهمية التوثيق الكتابي الرسمي لعقد الزواج، وتوافُقُ هذا التوثيق مع قصد الشارع إلى تمتين عقد الزواج وتحصينه، وجعلِه ما أمكن بعيدا عن الاستهانة والجحود والتنازع.
ولذلك وجدنا جماهير الفقهاء قديما وحديثا يُقرون العمل بالتوثيق الكتابي للزواج ويدعون إليه، رغم أنه في الأصل ليس شرطا صحة في الزواج وشرعيته. ولكن بما أن الحاجة إلى التوثيق في هذا العصر قد زادت واشتدت وتعينت، ثم إنها قد تيسرت وانضبطت بشكل غير مسبوق، فإن الفقه الإسلامي والتقنين الفقهي قد اتجها في عامة البلدان الإسلامية إلى جعل التوثيق القانوني شرطا لازما في إجراء الزواج. وفي ذلك أيضا عمل بالقاعدة الفقهية الجليلة: (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور).
ولكن دائما ستبقى حالات التعذر والتعسر للتوثيق القانوني قائمة، فيجب على التشريع والقضاء تفهمها ومراعاة أسبابها وأعذارها. وهذا ما يناقشه ويعالجه الأستاذ أحمد كافي في هذا البحث.
وبالله تعالى التوفيق.
[1] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع2/408.
- طلب كتب المركز من الدار المغربية للنشر والتوزيع: بالدار البيضاء
- الهاتف: 00212680804682
- البريد الإلكتروني: addaralmagheribia@hotmail.com