تقرير مناقشة الباحثة أميمة بونخلة
التربية على القيم في المدارس الفرنسية، بين الخصوصية والكونية
إعداد: الباحثة أميمة بونخلة
شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء يوم 17 يونيو 2025، مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب، ضمن تكوين “التاريخ والمجال وحوار الثقافات”، تقدمت بها الطالبة الباحثة أميمة بونخلة، تحت إشراف الدكتور مصطفى الصمدي، وذلك بحضور لجنة علمية مكونة من السادة الدكاترة: عبد الفتاح الزنيفي (رئيسًا ومقررًا)، مصطفى الصمدي (مشرفًا)، فؤاد بلموذن، محمد إبراهيمي، مولاي مصطفى الهند، بصفتهم أعضاء ممتحنين ومقررين.
جاءت الأطروحة تحت عنوان: “التربية على القيم في المدارس الفرنسية بين الخصوصية والكونية”، وتناولت بالدراسة والتحليل البعد السيميائي لمحتويات المقررات الدراسية، وبالخصوص مقرر مادة التاريخ والجغرافيا في السلك الإعدادي الفرنسي، وهو ذاته المطبّق في مؤسسات البعثة الفرنسية بالمغرب.
اعتمدت الباحثة مقاربة سيميائية وتحليلية عميقة، مكّنتها من تفكيك الرموز والدلالات الكامنة في الخطاب التربوي الرسمي الفرنسي، وخصوصًا ما يتعلق منها بموضوعات الهُوية، والمواطنة، والتعدد الثقافي، وعلاقة فرنسا بمستعمراتها السابقة. كشفت الأطروحة عن حضور قوي لسرديات مركزية تُعيد إنتاج نظرة أحادية للكونية، يُخشى أن تتجاوز أحيانًا التعدد الثقافي، وتُقصي الخصوصيات الدينية والهوياتية، خاصة لدى المتعلمين من أصول مهاجرة أو غير غربية.
جاءت الأطروحة في مجال الدراسات البينية التي تربط الفكر التربوي بالفكر السياسي والفلسفة الاجتماعية، حيث بحثت الباحثة إشكالية دقيقة تدور حول مدى قدرة المدرسة الفرنسية على الموازنة بين الخطاب الكوني الذي يطبع سياساتها التربوية، وبين الاعتراف بالخصوصيات الثقافية والهوياتية المتعددة التي يحملها التلاميذ القادمون من خلفيات مختلفة. وقد سعت الباحثة إلى مساءلة مدى فعالية خطاب “التربية على القيم” في السياق الفرنسي، في ظل ما يرافقه من توتر بين العلمانية الصارمة والانفتاح على التعدد الثقافي والديني.
تميّزت الدراسة بتوظيف مقاربات علمية متنوعة، من تحليل الخطاب، إلى المقاربة التاريخية، فالبيداغوجيا النقدية، مع اعتماد منهج وصفي تحليلي دقيق مدعّم بالمصادر الرسمية الفرنسية (مذكرات وزارية، قوانين تربوية، تقارير المؤسسات التقييمية)، إضافة إلى أدبيات فكرية تربوية عربية وغربية، مما أضفى على الأطروحة طابعًا توثيقيًا وأكاديميًا رصينًا. وقدمت الباحثة قراءة نقدية متزنة للمفاهيم التربوية المتداولة مثل “قيم الجمهورية”، “العيش المشترك”، “المواطنة”، و”العلماينة”، وسعت إلى إبراز كيف تتجلى هذه المفاهيم في الممارسة المدرسية، وكيف تتأثر بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها فرنسا في العقود الأخيرة.
ولم تكتفِ الباحثة بتحليل الوثائق أو السياسات التربوية، بل حرصت على تتبّع آثارها الواقعية على الفاعلين في المدرسة (الأساتذة، التلاميذ، الإداريين)، مستندة إلى تجارب ميدانية وأبحاث سوسيولوجية موازية، مما جعلها تلامس الواقع التربوي من زواياه المتعددة.
أفضت هذه الأطروحة، من خلال تحليلها السيميائي لمضامين كتب التاريخ والجغرافيا المعتمدة في السلك الإعدادي الفرنسي، إلى مجموعة من التوصيات الهادفة إلى تطوير الخطاب التربوي القيمي في المناهج التعليمية الفرنسية، لاسيما تلك المعتمدة في مؤسسات البعثة الفرنسية بالمغرب.
وفي هذا السياق، شدّدت التوصيات على ضرورة مراعاة مدارس البعثة للخصوصيات الحضارية والدينية للدول التي تحتضنها، وعلى رأسها المملكة المغربية، بما يضمن احترام ثوابتها الدينية والوطنية المنصوص عليها دستوريًا، وبما ينسجم مع متطلبات التربية على القيم في بعدها الكوني والإنساني.
كما أوصى البحث بضرورة:
- إدماج مقاربة تعددية الثقافة في إعداد المقررات الدراسية الفرنسية.
- مراجعة التمثلات الرمزية للآخر، خاصة في الدروس المرتبطة بالتاريخ الاستعماري.
- تكوين الفاعلين التربويين في مجال تحليل الخطاب والسيميائيات التربوية.
- الانفتاح على مقاربات نقدية من خارج المركز الفرنسي، بما يسمح بإعادة بناء محتوى أكثر عدالة وإنصافًا للقيم.
هذه التوصيات لا تنبع فقط من منظور نقدي، بل من رغبة أكاديمية في تعزيز المشترك الإنساني، وتجسير الفجوات الرمزية والمعرفية التي قد تؤثر سلبًا على تربية الأجيال في سياقات متعددة الثقافات والانتماءات.
أشادت اللجنة بجهود الباحثة العلمية، واعتبرتها إضافة مهمة في مجال الدراسات البينية التي تتقاطع فيها علوم التربية والفكر الإسلامي والسيميائيات. كما نوّهت بجِدّة الموضوع، وحُسن تدبيره نظريًا وميدانيًا، وبقدرة الباحثة على النقد والتفكيك دون الوقوع في أحكام إيديولوجية.
وقد أوصت اللجنة بمنح الباحثة درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدًا مع تنويه خاص.
