تقرير مناقشة الباحث سامي فسيح
القراءة الحداثية للإسلام: برنارد لويس أنموذجًا”
إعداد: الدكتورة أميمة بونخلة
شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء يوم 17 يوليوز 2025، مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب، ضمن تكوين “التاريخ والمجال وحوار الثقافات”، تقدم بها الطالب الباحث سامي فسيح، تحت إشراف الدكتور مصطفى الصمدي، وذلك بحضور لجنة علمية مكونة من السادة الدكاترة: عبد الفتاح الزنيفي (رئيسًا ومقررًا)، مصطفى الصمدي (مشرفًا)، فؤاد بلموذن، محمد إبراهيمي، نبيل الغماري، بصفتهم أعضاء ممتحنين ومقررين.
حملت الأطروحة عنوان: “القراءة الحداثية للإسلام: برنارد لويس أنموذجًا”، وسعت إلى تفكيك المشروع الفكري لأحد أبرز أعلام الاستشراق الحداثي المعاصر. وقد انطلق الباحث في اختياره لهذا الموضوع من قناعة علمية بضرورة فهم الكيفية التي تُقرأ بها المنظومة الإسلامية من خارجها، خصوصًا من قبل المفكرين الغربيين الذين لا تقتصر كتاباتهم على الجانب المعرفي، بل تتجاوز ذلك لتؤثر في صناعة القرار السياسي وتشكيل الوعي الجمعي تجاه الإسلام.
ركزت الأطروحة على برنارد لويس كنموذج استشراقي مركزي في مقاربة الإسلام قراءةً وتأويلاً. وقد أبرز الباحث كيف أن هذا المفكر لم يقتصر على تحليل جوانب جزئية من التراث الإسلامي، بل قدم تصورًا شاملاً عن النصوص التأسيسية، والتاريخ الإسلامي، والواقع المعاصر، وذلك من خلال توظيف مناهج تنتمي إلى الفضاء الحداثي الغربي، مثل التاريخ النقدي، والتحليل الدلالي، والمقاربات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية.
استندت الأطروحة إلى إشكالية محورية تمحورت حول التساؤل التالي: ما هو مشروع برنارد لويس؟ وذلك من خلال دراسة متأنية لمجمل إنتاجه العلمي المُعرّب، الذي يبدو — بالنظر إلى حجمه وتنوعه وتَكرار موضوعاته — وكأنه ليس مجردَ اجتهادٍ شخصي لباحث منفرد، بل بنية معرفية متكاملة أشبه بـ”مؤسسة فكرية” قادت حملة منظمة وشاملة تجاه الإسلام والمسلمين.وقد سعى الباحث إلى مقاربة هذا السؤال من خلال تحليل نصوصه المعربة، وتتبع خطابه في سياقه الزمني والمعرفي، وبيان الخلفيات الفلسفية والإيديولوجية التي تحكم مقاربته للإسلام. وقد صاغ الباحث عدة فرضيات انطلقت من اعتبار أن مشروع لويس ليس مجرد اجتهاد فردي، بل يمثل بنية فكرية حداثية متكاملة تسعى لإعادة تشكيل صورة الإسلام ضمن أفق معرفي غربي.
ومن الناحية المنهجية، وظّف الباحث مزيجًا من المناهج العلمية، شمل الاستقراء في تتبع نصوص برنارد لويس وتحليلها، والتحليل الدلالي لبناء تصورات نظرية حول خطابه، والمنهج المقارن لإبراز الفروق الجوهرية بين القراءة الاستشراقية الغربية والتأويلات الإسلامية الأصيلة. وقد مكّنه هذا البناء المنهجي المركب من تقديم تصور شامل ومنضبط لمجمل إنتاج لويس وتحليل خطابه الفكري في مختلف أبعاده.
توصلت الأطروحة إلى جملة من النتائج، أبرزها:
🔸أن برنارد لويس لا يكتفي بقراءة تفسيرية للنصوص الإسلامية، بل يُقدّم بديلاً تأويليًا شموليًا يعيد من خلاله تشكيل معانيها بما يجعلها — نظريًا — قابلة للاندماج في المنظومة الليبرالية الغربية.
🔸 أن رفض هذا البديل يُصنّف عنده باعتباره راديكالية وأصولية وعداءً للحضارة الغربية، مما يكشف الطابع الأيديولوجي الكامن خلف مشروعه.
🔸 أنه يرى الحل في إعادة تشكيل المسلم المعاصر ليكون منسجمًا مع النموذج الليبرالي والدولة القُطرية القومية، بوصفها الطريق إلى “الاستقرار”.
🔸 أنه يقرأ التاريخ الإسلامي قراءة أداتية سياسية، لإعادة تشكيل وعي المسلم بنفسه وتاريخه من زاوية مشوَّهة في كثير من الأحيان.
🔸 كما تبيّن أن برنارد لويس يُمثّل مشروعًا حداثيًا متكاملًا، لتقاطعه مع البارادايم الحداثي فلسفيًا ومنهجيًا في مختلف مجالات تحليله للنصوص والتاريخ والواقع الإسلامي.
تكمن الإضافة العلمية للأطروحة في تقديم قراءة نسقية وشاملة لمشروع برنارد لويس، تكشف عن عمق أنساقه المعرفية والتأويلية والأيديولوجية، وتفكك خلفياته بأدوات منضبطة. كما تسهم الأطروحة في فتح آفاق بحثية جديدة، تؤكد أن فهم المشاريع الاستشراقية الكبرى لا يتم إلا عبر عمل جماعي داخل مختبرات بحثية متخصصة، قادرة على مراكمة المعرفة وتفكيك الخطابات المهيمنة، وبناء أدوات تحليلية من داخل المرجعية الإسلامية وتفتح أمام المسلم المعاصر رؤية أوعى بذاته، وأقدر على فهم كيف يُنظر إليه، وماذا يُراد له.
وهي بذلك تساهم في تعزيز مناعة الذات الحضارية الإسلامية، وتؤسس لحوار حضاري متكافئ لا يقوم على الذوبان والاندماج، بل على أساس التعارف القرآني الذي يثمّن الخصوصية ويضمن التفاهم بين الشعوب.
وبناءً على جودة الأطروحة، وجِدّتها، وعمقها التحليلي، وسلامة لغتها ومنهجها، أوصت اللجنة العلمية بالإجماع بمنح الطالب سامي فسيح شهادة الدكتوراه في الآداب، مع تنويه خاص من اللجنة بمستوى البحث.
