بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير حول الندوة العلمية: قراءة في كتاب” التمييز البناء بين الرجال والنساء”
نظم مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط يوم السبت 9 محرم 1447 هـ، موافق 5 يوليوز 2025م، بمركب التكوين بحي المحيط بمدينة الرباط، ندوة قراءة في كتاب “التمييز البناء بين الرجال والنساء” لفضيلة العلامة أحمد الريسوني. هذا الكتاب الذي يهدف حسب المؤلف إلى مقاربة العلاقة بين الجنسين في ضوء التصور الإسلامي المقاصدي، تأصيلا لفكرة التكامل بدل الصراع، والعدل بدل المساواة الشكلية.

وقد تميزت الندوة بحضور ثلة من الأساتذة والباحثين المتخصصين، الذين ناقشوا محاور الكتاب في ضوء التحولات الفكرية والاجتماعية المعاصرة، مركزين على ضرورة تحكيم الفطرة والمنهج العلمي في مقاربة قضايا الأسرة والعلاقات بين الرجال والنساء.
أما عن محاور الندوة وأهم ما جاء فيها فقد كانت على النحو الآتي:
المداخلة الأولى: كانت للدكتور محمود النفار من قطر بعنوان ” مؤسسة الأسرة ومقاصدها”، أكد من خلالها على أن الدكتور الريسوني ارتقى بمفهوم المقاصد من مستوى الأحكام الفردية إلى مستوى مقاصد المؤسسات، وعلى رأسها الأسرة، باعتبارها نواة المجتمع وركيزة البناء الحضاري. وقد قارن الكتاب من حيث المنهج والهدف بكتب تراثية كـ”إغاثة الأمة” للمقريزي و”غياث الأمم” للجويني، مشيرا إلى نموذج الأسرة الفلسطينية كمثال على الصمود والبذل.
المداخلة الثانية: قدمها الأستاذ عبد الرحيم شيخي بعنوان: ” الرؤية الإسلامية الفطرية للعلاقة بين الرجل والمرأة”، قدم من خلالها تأصيلا لمفهوم التمييز الفطري والتشريعي، مؤكدا أن الإسلام لا يدعو إلى مساواة ميكانيكية، بل إلى عدل تكاملي قائم على اختلاف الخصائص ووحدة الكرامة والمسؤولية. كما دعا إلى تحصين الأسرة من الطروحات التي تنظر للعلاقة بين الجنسين بمنطق الصراع بدل الرحمة.
المداخلة الثالثة: للدكتور مصطفى قرطاح بعنوان: ” الأحكام الشرعية: تعادل وتكامل”، ركز من خلالها على أن الشريعة الإسلامية أقرت المساواة في مجالات لا تتعارض مع الفطرة؛ مثل الأجر، والقصاص، والمسؤولية الأسرية، مؤكدا أن التمييز المشروع لا ينقض مبدأ العدالة، بل يرسخه. وشدد على ضرورة إبعاد قضايا الأسرة عن الخطاب الأيديولوجي، والاحتكام إلى العلم والفطرة في معالجة هذه المسائل.
المداخلة الرابعة: قدمتها الأستاذة عزيزة البقالي بعنوان: ” الرؤية الحداثية العلمانية: ما لها وما عليها”، تناولت فيها التحولات التي عرفتها المنظومة الحقوقية المغربية في ظل التزاماتها الدولية، مركزة على التناقض بين الشعارات الحداثية وممارساتها العملية. كما أشارت إلى الانحرافات التي وقعت فيها بعض الحركات النسوية، داعية إلى اجتهاد علمي رشيد يسهم في حماية الأسرة من التفكيك ويضمن تكامل أدوار الرجل والمرأة.
ثم كانت المداخلة الخامسة لفضيلة الدكتور محماد رفيع، الذي رأى الكتاب عبارة عن حالة اشتباك معرفي رصين مع المرجعيات الغربية، التي تؤسس للعلاقة بين الجنسين على التماثل لا التكامل. كما أشار إلى أن الكتاب نقد بعمق الفصل 19 من الدستور المغربي، وكشف التناقضات السائدة في الخطاب الحقوقي المحلي، خاصة فيما يتعلق بمواقف متضاربة حول زواج القاصر، الأمهات العازبات، والحرية الجنسين.
وبعد تساؤلات الحضور، قدم العلامة أحمد الريسوني كلمة ختامية، شكر فيها المركز، ودعا إلى تنظيم ندوات تعريفية بإصدارات المركز في كل المدن المغربية. كما قدم تأملات حول مسار التأليف وأهمية إحياء المقاربة المقاصدية في قضايا المرأة والأسرة. وأكد في مداخلته على أن التمييز بين الجنسين في الشريعة الإسلامية ليس تمييزا تفضيليا ظالما، بل هو تمييز وظيفي بناء يستند إلى الفطرة الإلهية التي فطر الله الناس عليها: قال تعالى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]. وأكد على أن من واجب رجالات الفكر والدعوة، والمؤسسات العلمية أن يقوموا بدورهم في إقامة الأسرة وفي إبراز النموذج الإسلامي لها، حيث أكد أن إقامة بقية أركان الإسلام موجود بنسب معتبرة، وهناك من يهتم به، لكن إقامة الأسرة لايزال الاهتمام بها ضعيفا ومتواضعا.
وفي ختام الندوة، وبعد توقيع الكتاب، أقيم حفل تكريمي للعلامة أحمد الريسوني وحرمه الحاجة نعيمة اليوسفي بمناسبة عودتهما الميمونة والنهائية إلى المغرب، قدم فيه المركز لهما تذكارا وهدية رمزية، كما أقيم بالتوازي معرض لإصدارات المركز.
تمثل هذه الندوة محطة معرفية متميزة في التنظير الفكري للعلاقة بين الجنسين، وقد أكدت على الحاجة الماسة إلى خطاب علمي وشرعي متوازن، يجمع بين الأصالة والتجديد، ويستحضر تحديات الواقع دون التفريط في الثوابت.
