هذه أول فتوى صدر بها العلامة المغربي محمد كنوني المذكوري رحمه الله تعالى كتابه: ” الفتاوي” تعلقت بدعم أهل فلسطين بالمال، ومنه أموال الزكاة، حيث أكد العلامة كنوني المذكوري على جواز إعطاء الزكاة للإخوان المجاهدين الفلسطينيين، بل رغب في ذلك وحث عليه.
جدير بالذكر أن كتاب الفتاوي قد قدم له فضيلة العلامة الأستاذ عبد الله كنون الأمين العام لرابطة العلماء بالمغرب سابقا رحمه الله تعالى.
وفيما يلي نص الفتوى(ص: 11 ـ 13 من الكتاب)
سؤال حول جواز أو عدم جواز إعطاء الزكاة للإخوان المجاهدين الفلسطينيين:
الجواب:
إنه من المعلوم المقرر في شريعة الإسلام أن الجهاد من الفروض الكفائية، وقد يكون عينيا فيما إذا داهم العدو البلاد أو كان هناك تعيين من قبل الإمام، وذلك لإقامة العدل بين الناس ورد الحق إلى نصابه، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دِفَٰعُ اُ۬للَّهِ اِ۬لنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٖ لَّفَسَدَتِ اِ۬لَارْضُ﴾ [ البقرة: 251] ، أي بتغلب الباطل على الحق والفساد على الصلاح، فيعم إذا الفساد ويتغلب جانب الشر على جانب الخير، لذلك كان ضرورة لا مندوحة عنه لدفع العدوان والفساد وسنة من سنن الله في الاجتماع البشري، ولذلك أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: يا أيها النبيء جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم، وهذا الجهاد لا يقوم إلا بقوة مادية كما قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل” الآية ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اَ۪سْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ اِ۬لْخَيْلِ﴾ [الأنفال: 61] ، ومن المعلوم الواضح أن القوة التي أعدها الصهاينة أعداء الله والإسلام لاحتلال بلاد المسلمين ومقدساتهم المشتملة على قبور الأنبياء والمرسلين، ومهبط الوحي ومسرى الرسول والمسجد الذي بارك الله حوله، فاقت ما يتصوره المتصورون، وأن الإمدادات الكثيرة من أموال وسلاح تترى عليهم من كل ناحية، وأن الصهيونية العالمية قامت على ساق الجد في تدعيم حربهم الجائرة في الشرق الأوسط، مما تسبب في النكبة التي حلت بالمسلمين في أعز بقعة من بقاع الإسلام، ولم يعرفها تاريخه بالنسبة لقوم ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله، فيجب على المسلمين، والحالة هذه أن ينهضوا نمن غفلتهم ويستيقظوا من نومهم، ويبذلوا أموالهم لإعلاء كلمة الله بمد المجاهدين الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، بجميع ما يحتاجون إليه وما يتوقفون عليهم لمواجهة هذه الحرب الشنعاء، ولا سيما بالزكاة التي جعل الله لهم فيها نصيبا في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اَ۬لصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَٰكِينِ وَالْعَٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُوَ۬لَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِے اِ۬لرِّقَابِ وَالْغَٰرِمِينَ وَفِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ وَابْنِ اِ۬لسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ اَ۬للَّهِۖ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞۖ ﴾ [التوبة: 60].
وقد اتفقت المذاهب على أن الغزاة والمرابطين هم المقصودون بهذا الصنف من مستحقي الصدقات، أي في سبيل الله” اهـ من “المنار” لدى تفسير “وفي سبيل الله”، وقال القاضي أبو بكر بن العربي لدى تفسيرها نقلا عن الإمام مالك أنه قال: ” سبل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافا أن المراد في سبيل الله هاهنا الغزو”، وقال صاحب “فتح البيان” وهو على مذهب أهل الحديث المستقلين بعد ذكره قول الجمهور أنهم الغزاة والمرابطون، وإن كانوا أغنياء، وبعد ذكر الرواية المتقدمة عنده عن ابن عمر وأحمد وإسحاق، قال بعد كلام: ” والأول، أي: الغزاة والمرابطون، أولى لإجماع الجمهور عليه” اهـ نقله عن صاحب المنار، وزاد أبو داود وابن ماجه وأحمد ومالك في الموطأ، والبزار والبيهقي وعبد بن حميد وأبو يعلى والحاكم وصححه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله أو ابن السبيل، أو لجار فقير يتصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك، وفي لفظ: لا تحل الصدقة إلا لخمسة: للعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين، كما نص الفقهاء على الجواز، ونقل مثله عن الحافظ ابن عبد البر الأندلسي.
وعليه، فلم يبق محل للتردد والسؤال عن مسألة واضحة في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي كلام العلماء، والحالة أن المسلمين في محن شديدة من قبل التضامن الذي أظهرته الصهيونية والصليبية من هدم ديارهم وحرقهم بالنار وهم أحياء، وهتك أعراضهم، والمسجد الأقصى الطاهر يداس بنعال اليهود، وتقوض أركانه وتمحى معالمه ويجري فيه أنواع من الفجور، مما لا يخفى على أحد، كل هذا والضمير العالمي يتفرج من بعيد ولا يقيم وزنا لذلك كله، فإلى الأمام أيها المسلمون، فإن الله وعد عباده بالنصر لمن نصره كما قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ اُ۬للَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتَ اَقْدَامَكُمْ﴾[محمد: 8]، وقال سبحانه:﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اَ۬للَّهُ مَنْ يَّنصُرُهُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌۖ﴾ [ الحج:38]، فالنصر لا محالة إن شاء الله في جانب المسلمين، كما قال تعالى: ﴿ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ اَ۬للَّهِ قَرِيبٞۖ﴾ [ البقرة: 212].