Close Menu
MaqassedMaqassed
  • الرئيسية
  • من نحن
    • عن المركز
    • باحثون في المركز
    • تواصل معنا
  • التأليف والنشر
    • منشورات المركز
      • سلسلة دراسات
      • سلسلة قضايا علمية
      • سلسلة ندوات علمية
      • كتب أخرى
    • منشورات أعضاء من الهيئة العلمية
    • إستكتاب نشر الكتب
  • فعاليات المركز
    • ندوات
      • ندوات وطنية
      • ندوات دولية
    • قراءات في كتب
    • محاضرات
  • أبحاث ومقالات علمية
    • أبحاث
    • مقالات
    • تدوينات مختارة
  • خدمات بحثية
    • مشاريع أطروحات علمية
    • جديد الحالة العلمية
    • سلسلة أعلام المغرب
  • الإعلام
    • أخبار المركز
    • فيديوهات المركز
    • فعاليات سابقة
    • مواقع ذات صلة
فيسبوك يوتيوب
MaqassedMaqassed
  • شروط الاستخدام
  • تواصل معنا
فيسبوك يوتيوب
  • الرئيسية
  • من نحن
    • عن المركز
    • باحثون في المركز
    • تواصل معنا
  • التأليف والنشر
    • منشورات المركز
      • سلسلة دراسات
      • سلسلة قضايا علمية
      • سلسلة ندوات علمية
      • كتب أخرى
    • منشورات أعضاء من الهيئة العلمية
    • إستكتاب نشر الكتب
  • فعاليات المركز
    • ندوات
      • ندوات وطنية
      • ندوات دولية
    • قراءات في كتب
    • محاضرات
  • أبحاث ومقالات علمية
    • أبحاث
    • مقالات
    • تدوينات مختارة
  • خدمات بحثية
    • مشاريع أطروحات علمية
    • جديد الحالة العلمية
    • سلسلة أعلام المغرب
  • الإعلام
    • أخبار المركز
    • فيديوهات المركز
    • فعاليات سابقة
    • مواقع ذات صلة
MaqassedMaqassed
الرئيسية»أبحاث ومقالات علمية»أبحاث»ضوابط وقيود التعدد في الفقه الإسلامي
أبحاث

ضوابط وقيود التعدد في الفقه الإسلامي

6 ديسمبر، 2024الحسين الموس
فيسبوك تويتر بينتيريست لينكدإن تيلقرام واتساب البريد الإلكتروني Copy Link

 

        كثر في أيامنا هذه الحديث عن التعدد، وأصبح فاكهة المجالس والدردشات في مواقع التواصل الاجتماعي. وسارع بعض الناس إلى تقويل الشارع ما لم يقله، حيث جعلوا التعدد حقا منحه الشارع للرجل دون قيود ولا ضوابط.  إنه إذا كان لإباحة التعدد بعض المقاصد والمصالح،  فإنه لابد للمكلف أن يتعرف على مجمل القيود اللازمة للراغب فيه ، والمتضمنة في نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، حتى يعصم نفسه وغيره من الزلل  وهو ما نحاول الوقوف عليه في هذه المقتطفات من كتابي حول ” تقييد المباح دراسة أصولية وتطبيقات فقهية”. وقد قسمت هذه الضوابط إلى الآتي:

– القدرة على العدل بين الزوجات،

– القدرة على تلبية حاجيات الزوجات النفسية والعاطفية والفطرية،

– القدرة على مئونة الزواج وتكاليف التعدد،

–  القدرة على إدارة أكثر من أسرة،

1) قيد العدل بين الزوجات : 

     كان أول قيد على التعدد في سورة النساء هو قيد العدل وتجنب الجور. فالعدل من المقاصد الكلية التي جاءت الشريعة بحفظها، فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب من أجل إقامة العدل. قال الله عز وجل ﴿قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾: [الحديد : 25]. وقد أكدت السنة النبوية على قيمة العدل وجعلته السبيل إلى الدرجات العلى في الجنة. فقد روى مسلم عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا »[1]. فالحديث يخبر عن العدل بمفهومه العام، وفي كافة شؤون الحياة فردية كانت أو أسرية، اجتماعية أو سياسية.

     وتكرر الأمر بالعدل في سورة النساء مرات متعددة. فقد أمر به في مطلع السورة حين دعا إلى الاقتصار على الزواج بواحدة عند خوف عدم العدل فقال تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾[النساء : 3]. وأكد عليه بقوله: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ [النساء : 3] أي أَقرَبُ إلَى أَنْ يَنتَفِيَ العَول وهو المَيل غير المشروع لواحدة منهن على حساب الأخريات. وفي وسط السورة بيّن القرآن صعوبة التحقق بالعدل في مَثَله الأعلى حيث قال سبحانه: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء : 129] . وفي ثنايا السورة أمر القرآن الكريم الأمة المسلمة برعاية العدل والسهر على تنفيذه فقال سبحانه:﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء : 58]. ثم ختمت السورة بالدعوة إلى ألاّ يبقى العدل قيمة أخلاقية متروك أمرها لضمير الأفراد، وأمرت الأمة  برعايته، ومنع الجور والظلم أيا كان مصدره قال تعالى:﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء : 135]. 

        إن العدل المأمور به  في الآيات يتسع ويضيق بحسب الأفراد والأحوال. وهو يشمل بالنسبة للتعدد العدل في المبيت والقسمة وفي الحقوق المادية كحد أدنى، وقد يكون له تعلق ببعض الحقوق المعنوية. قال ابن عطية: ” قال الضحاك وغيره : المعنى ألا تعدلوا في الميل والمحبة والجماع والعشرة بين الأربع أو الثلاث أو الاثنتين”[2].  فهو إذن ليس بالأمر الهين الذي يستسهله الفرد.

        وأشار ابن رشد إلى اتفاق الفقهاء على أنه ” من حقوق الزوجات العدل بينهن في القسم”[3]، واستدلوا على ذلك بما كان عليه سيد الخلق مع زوجاته. فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على العدل معهن حتى آخر لحظات حياته، يعدل في المبيت، ويعدل عند السفر فيقرع بين نسائه، إن لم يُوجد مُرجح في اختيار إحداهن، وإذا تفقد إحداهن في يوم مرّ على الجميع. ولم يزل صلى الله عليه وسلم حريصا على العدل وعلى القسمة بين نسائه إلى أن أثقله المرض وقعد على فراش الموت. روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «  كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا»[4]، فهو عليه السلام رغم مرضه الشديد، ورغم ميل قلبه الكريم لعائشة لم يشأ أن يفرض عليهن مكان تمريضه . وظل يسأل عن النوبة في كل يوم حتى أذنّ له بالمقام عند عائشة رضي الله عنها.

        كما كان صلى الله عليه وسلم يحرص على العدل في مُدة المكث والحديث مع الزوجات وهو معتكف. روى البخاري عَنْ الزُّهْرِيِّ عن صفية رضي الله عنها قالت:« كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد وَعِنْده أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ، وَقَالَ لِصَفِيَّةَ : لَا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِف مَعَك»[5] واستنبط ابن حجر من القصة حرصه صلى الله عليه وسلم على العدل بين نسائه وقال: ” وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ اِخْتِصَاص صَفِيَّة بِذَلِكَ لِكَوْنِ مَجِيئِهَا تَأَخَّرَ عَنْ رُفْقَتِهَا فَأَمَرَهَا بِتَأْخِيرِ التَّوَجُّه لِيَحْصُلَ لَهَا التَّسَاوِي فِي مُدَّةِ جُلُوسِهِنَّ عِنْده “[6].

        كان التعدد عند العرب في الجاهلية غير مُقيد بعدد. فجاء الإسلام وقيده في أربعة فقط، كما جعل الاقتصار على العدد الأدنى أصلا عند خوف الجوْر. وهكذا إذا خاف الزوج من عدم العدل مع الأربع اكتفي بالثلاث، فالخوف في كل مرتبة من مراتب العدد ينزل به إلى التي دونها. إن الاكتفاء بواحدة ينعدم معه الميل وكلما قلّ العدد قلت إمكانية الجور. ربَط الطبري بيْن سياق الآية مع ما قبله، واستنبط منه أن خوف عدم القسط لليتيمة في الحجر يجب من باب أولى أن يكون معه خوف عدم القسط للنساء عند التعدد، فقال:” مَعْنَى الْكَلَامِ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَتَعْدِلُوا فِيهَا، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا أَلَّا تُقْسِطُوا فِي حُقُوقِ النِّسَاءِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللهُ عَلَيْكُمْ فَلَا تَتَزَوَّجُوا مِنْهُنَّ إِلَّا مَا أَمِنْتُمْ مَعَهُ الْجَوْرَ”[7]. وقد رجح صاحب تفسير المنار هذا الرأي وقال بأنه اللائق بسورة سميت سورة النساء، واحتفلت بمعالجة ما كان يقع في الجاهلية عليهن من ظلم[8]. فالعدل بين النساء مقصود لذاته ، فلا يستقيم شرعا أن يتحرّج المُكلف من أكل مال الأيتام، ولا يتحرّج في عدم التسوية والعدل بين النساء.

        أكد القرآن الكريم على قيمة العدل لمُريد التعدد حين جعل من حكمة الاقتصار على الواحدة أن يَسْلم المُكلف من العَوْل وهو الميل، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾
[النساء : 3]. والذي عليه المالكية ودافع عنه ابن العربي أن الآية في مقام التأكيد على منع الجور والظلم عند التعدد، ولاشك أن الاقتصار على الواحدة أسلم من الجور والميل مع رغبات النفس وشهواتها[9].   

        إن العدل المطلق لا يستطيعه البشر، قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء : 128 ، 129]. ومن أجل ذلك خفّف الشرع عن المسلم في العدل الواجب، حيث لم يُلزمه العدل في المحبة والميل القلبي لأنه أمر قهري لا سلطان للإنسان عليه. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل في الأمور الظاهرة ويسأل الله عز وجل أن لا يحاسبه على ما لا يملك من الميل القلبي فيقول:«اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِك»[10]. إن الآية السابقة تضع أمام الأزواج مجالا رحبا للارتقاء في العدل بين الزوجات[11]. قال أبو زهرة: ” فالعدل المشروط لإباحة التعدد هو القدر من المساواة، والذي نفيت استطاعته هو المثل الأعلى من العدل والمساواة في كل شيء بغاية الدقة بلا نقص أو زيادة حتى في الوُد القلبي”[12]. 

        إن الترخيص في ترك العدل في الميل القلبي لا يُعفى الزوج من بذل ما في وسعه لمحبة زوجاته والتودد لهن ولأبنائهن. فإن مما يدخل في الوُسع المأمور به شرعا بذل الجهد لتحقيق نصيب من المودة التي جعلها الله تعالى من مقاصد الزواج حين قال سبحانه:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم : 21]. وقد أكد العلامة ابن عاشور على دخول نصيب من الحب في الاختيار والاستطاعة حيث قال:” ولكن من الحب حظا هو اختياري وهو أن يُروّض الزوج نفسه على الإحسان لامرأته وتحمل ما لا يلائمه من خَلقها أو أخلاقها ما استطاع، وحسن المعاشرة لها حتى يحصل من الألف بها والحنو عليها اختيارا بطول التكرر والتعود ما يقوم مقام الميل الطبيعي”[13]. ومن مقتضيات هذا الترويض للنفس أن يحرص الزوج على معاملة الزوجات على أساس ميثاق الزوجية، لا بناءا على صفات كل زوجة كالقبح والجمال، أو الصغر والكبر، أو العقم والولادة أو غيرها من الصفات[14].

        إن النهي عن الميل لإحدى الزوجات تحذير من مسايرة هوى النفس والانتصار للمحبوبة ولو بالباطل، وهو أمر ليس بالهين. قال الزمخشري:” إن العدل بينهن أمر صعب بالغ من الصعوبة حداً يوهم أنه غير مستطاع، لأنه يجب أن يسوّي بينهن في القسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والممالحة والمفاكهة والمؤانسة وغيرها مما لا يكاد الحصر يأتي من ورائه ، فهو كالخارج من حدّ الاستطاعة . هذا إذا كن محبوبات كلهن؛ فكيف إذا مال القلب مع بعضهن”[15].

        إن الميل القلبي لواحدة من الزوجات وإتباع هواها قد يوقع صاحبه في الجور والظلم وهو من الكبائر؛ ومن ذلك الاعتناء الزائد بأفراد المحبوبة وتفضيلهم في العطية وإهمال غير المحظوظة. روى البخاري عَن النُّعمَان بنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ:« سَأَلَت أُمِّي أَبِي بَعضَ المَوْهِبَةِ لِي مِن مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي فَقَالَت لَا أَرْضَى حَتَّى تُشهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمَّهُ بِنتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعضَ المَوْهِبَةِ لِهَذَا قَالَ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأُرَاهُ قَالَ لَا تُشهِدنِي عَلَى جَوْرٍ»[16]. وقد وعى الصحابة رضي الله عنهم الوعيد الشديد على الجور وعدم العدل بين النساء فكانوا يجتهدون في القيام به واضعين نصب أعينهم ما رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ »[17].     

        إن التعدد مباح بالجزء، وقد يخرج عن الإباحة إلى الكراهية أو التحريم عند مظنة الإخلال بقيد العدل. فالعدل فريضة كبرى، بل هو من الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية. فمن أخذ بالتعدد وهو مباح إباحة جزئية وترك العدل الواجب فإنه قد أخلّ إخلالا كبيرا بمقتضيات الشرع، وفتح ثغرة كبيرة على المسلمين يتسلل منها الأعداء فيشككون في الشريعة الإسلامية بما يرونه من غياب العدل والقسط. ” التعدد مباح ما لم يخش المؤمن الجور في الزوجات، فإن خافه، وجب عليه تخليصا لنفسه من إثم ما يخاف أن يقتصر على الواحدة”[18]. ولاشك أن سبب الحملات التي تقام ضد بعض أحكام الشريعة ومنها التعدد هو عدم التطبيق السليم، وعدم الالتزام بالقيود الموضوعة على بعض المباحات.

        وإذا أخذ المكلف بعمل مباح أحيط بسياج من القيود والضوابط لكنه لم يلتزم بها، بل اكتفى بما يوافق هواه فقد خرج عن المقصد الذي وضعت له الشريعة وهو إخراج المكلف عن داعية هواه. فالتعدد مقصد تبعي يتجلى فيه الرفق بالمكلف بينما العدل مقصد أصلي كلي، فلا يُعمل بالمقصد الثانوي إن عاد على المقصد الأصلي بالبطلان[19]. قال الشوكاني:” لا أحب لمن كان لا يحتاج إلى زيادة على الواحدة أن يضُم إليها أخرى،إلا إذا كان واثقا من نفسه بعدم الميل، وعدم الاشتغال عمّا هو أولى به من أفعال الخير”[20] كما رأى علال الفاسي أن العدل المأمور به في موضوع التعدد يقصد به العدل العام الذي يختلف بحسب البيئات والأعراف، ومن ثم فإنه بحسب علال الفاسي ” يمكن للطائفة الإسلامية إذا تأكّدت من أن تعدّد الزوجات يؤدّي إلى الظلم داخل البيوت أو إلى ظلم المجتمع الإسلامي بتصويره أمام خصومه والمذبذبين من أبنائه بصورة شوهاء غير متّفقة مع الحقيقة الإسلامية أن تُقرّر تقييد التعدد وحصره في الواحدة مثلا بقانون مبني على المصلحة العامة التي أرشد إليها القرآن في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء : 3][21].

2) القدرة على تلبية حاجيات الزوجات النفسية والعاطفية والفطرية:

        من لوازم العدل بين الزوجات قيد له علاقة بالجانب النفسي والعاطفي. فالمودة والسكن من أهم مقاصد الزواج، والمُعدد للزوجات عرضة للميل للواحدة دون بقية الزوجات، وحتى عند عدم الميل فالغيرة بين النساء تسبب له مشاكل وعنت يُذهب المودة والسكن التي امتن الله تعالى بها علينا حيث قال:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[الروم : 21]. وقد نبه أبو بكر بن العربي على هذا القيد حيث قال:” وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ إنْ نَالَهَا فَحَسَنٌ وَإِنْ قَعَدَ عَنْهَا هَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، بِخِلَافِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ أُخْرَى فَإِنَّهُ إذَا أَمْسَكَ عَنْهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ يَتَوَفَّرُ لِلْأُخْرَى ، فَيَقَعُ النِّزَاعُ وَتَذْهَبُ الْأُلْفَة”[22] .إن المُقبل على التعدد ينبغي أن يتنبه لهذا القيد، وأن يعلم أن القسم المادي بين الزوجات في المبيت والدخول والخروج لا يُعفيه من ملاحظة الجوانب النفسية للمرأة والتعامل معهن على أساسها بحيث يُلبي حاجياتهن النفسية والغريزية.

        وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي القدرة على تلبية حاجيات زوجاته النفسية والعاطفية، ولم يقصر في شيء من ذلك، فإنه غيره من الناس يجب عليهم الاحتياط. فمن كانت قدراته الجنسية محدودة، ولا يقوى على تلبية الحاجيات الفطرية لكل زوجاته فالتوجيه القرآني يُرشده إلى الاقتصار على الواحدة لأنه أسلم وأبعد عن الجور. قال ابن عاشور: ” التعدد يُعرّض المكلف إلى الجور وإن بذل جهده في العدل إذ للنفس رغبات وغفلات وعلى هذا الوجه لا يكون قوله ( أدنى أن لا تعولوا) تأكيدا لمضمون (فإن خفتم أن لا تعدلوا ) ويكون ترغيبا في الاقتصار على المرأة الواحدة”[23].

3) القدرة على مئونة الزواج وتكاليف التعدد:

        تعتبر الباءة شرطا من شروط الزواج، وبالتالي فمن القيود المفروضة على الراغب في التعدد إضافة إلى ما سبق؛ أن تكون عنده القدرة على مئونة أسرتين فأكثر. وقد نبّه القرآن الكريم على هذا القيد عند قوله تعالى:﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾[النساء :3]. وفسّر بعض أهل اللغة العول بأنه الافتقار، من قولهم عالَ الرجلُ يَعُول إِذا افتقر. وفسّره آخرون بأنه كثرة الولد، من قولهم عال الرجل يعول إذا كثر عيّاله[24]. ولذلك استنبط بعض المفسرين من هذه المعاني اللغوية الترغيب في الاقتصار على الواحدة احتياطا من الفقر، أو تجنّبا من تعريض النفس لكثرة العيال المؤدية إلى الافتقار. قال ابن عاشور:” فاستعمل نفي كثرة العيال على طريق الكناية لأن العول يستلزم وجود العيال والإخبار عن الرجل بأنه يعول يستلزم العيال”[25]. إن الزواج بواحدة  قد يكون مكروها إذا لم تكن للإنسان رغبة فيه، وكان لا يتوفر على الإمكانيات اللازمة لتغطية حاجيات الأهل والأبناء؛ فكيف بالتزوج بأكثر من واحدة مع قلة ذات اليد؟

        إن نفقة الأسرة من أوجب الواجبات على الإنسان، والتفريط فيها يصبح من الضرر الذي يبيح تطليق الزوجة على زوجها. روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي »[26]. فالشطر الأخير من الحديث؛ وإن اختلف في رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه فهم صحابي جليل وهو أقدر على الاستنباط من الحديث النبوي ومقتضاه أن المرأة والأولاد يحتاجون لمن ينفق عليهم وعليه فالراغب في التعدد يجب أن تكون عنده القدرة المادية لذلك؛ وإلا فإن حكم الإباحة ينتقل إلى الكراهة أو التحريم بحسب درجة التقصير. قال أبو زهرة: ” إن إباحة التعدد مُقيّدة بألا يكون في التعدّد مظنّة الإكثار من العيال من غير أن يكون عنده من أسباب الرزق ما يستطيع به الإنفاق عليهم والقيام بواجبهم”[27].

القدرة على إدارة أكثر من أسرة :

        زوّد الله تعالى الخلق بغريزة الغيرة قصد الحفاظ على الأسرة، وهي أشد ما تكون في النساء. وإذا كان جانب من الغيرة  محمودا ومرغوبا فيه، فإن الجانب الأكثر منها مذموم، لما يسببه من متاعب للأسرة. وتكشف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو المثال في العدل والشفقة وحسن التدبير للبيت النبوي ما يمكن أن يترتب على الغيرة عند وجود التعدد. روى البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إِلَى إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ » [28].  وفي رواية أخرى للبخاري أن المكث كان عند حفصة بدل زينب، وفيها التصريح بغيرة عائشة أم المؤمنين من مكثه عندها حيث قالت:« فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ فَغِرْتُ»[29]. ففي هذا القصة نلحظ ما تدفع إليه الغيرة من الاحتيال للضرة؛ وإذا كانت أمهات المؤمنين لا يخرجن عن الاحتيال المشروع، فإن غيرهن من عامة النساء  قد يقعن في المعصية بدافع الغيرة. قال ابن حجر:” وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد مَا جُبِلَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ مِنْ الْغَيْرَة، وَأَنَّ الْغَيْرَاءَ تُعْذَر فِيمَا يَقَع مِنْهَا مِنْ الِاحْتِيَال فِيمَا يَدْفَعُ عَنْهَا تَرَفُّعَ ضَرَّتِهَا عَلَيْهَا بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ”.[30]

        إن العلاقة بين الضرات  تتسم في الغالب بتأجج مشاعر الغيرة والتنافس. بحيث لا تقبل الواحدة أن تفوقها الأخرى لا في الولد ولا في الجمال ولا في اللباس وغيره. فمن لم تكن عنده قدرة على حسن إدارة أكثر من أسرة، وتحمّل ما يصدر عن الزوجات بسبب الغيرة فإنه يدخل على نفسه عنتا شديدا، ويُُعرّض نفسه لكثير من المفاسد والشرور. فطلبات الزوجات لا حد لها، وهي قد تصل لطلب تطليق ضرّاتها. روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« ولَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَكْفِئَ إِنَاءَهَا»[31]. فإذا ضعف الزوج وساير زوجته المحبوبة فإنه قد يقع في الحرام.

        ألمح الغزالي بعد بسطه لفوائد التعدد إلى ما يمكن أن يترتب عليه من مفاسد قد تُنغِّص العيش على الزوج فقال:” هذه أيضا من الفوائد التي يقصدها الصالحون إلا أنها تخص بعض الأشخاص الذين لا كافل لهم ولا مُدبِّر ولا تدعو إلى امرأتين بل الجمع ربما ينغص المعيشة ويضطرب به أمور المنزل”[32]. وقد عدّد الشيخ محمد عبده في زمانه، المفاسد الاجتماعية التي تنجم عن وجود الضرات، بسبب الغيرة والحسد فقال:” … أَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّ الضَّرَرَ يَنْتَقِلُ مِنْ كُلِّ ضَرَّةٍ إِلَى وَلَدِهَا إِلَى وَالِدِهِ إِلَى سَائِرِ أَقَارِبِهِ ، فَهِيَ تُغْرِي بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ، وَالْبَغْضَاءَ: تُغْرِي وَلَدَهَا بِعَدَاوَةِ إِخْوَتِهِ ، وَتُغْرِي زَوْجَهَا بِهَضْمِ حُقُوقِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ بِحَمَاقَتِهِ يُطِيعُ أَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ، فَيَدِبُّ الْفَسَادُ فِي الْعَائِلَةِ كُلِّهَا، وَلَوْ شِئْتَ تَفْصِيلَ الرَّزَايَا وَالْمَصَائِبِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ لَأَتَيْتُ بِمَا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الْمُؤْمِنِينَ”[33]. فإذا كان هذا حال البيوت في القرن الماضي فكيف بنا اليوم؟

        إن البيت النبوي يعكس الخُلق العال الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في عدم مجاراة زوجاته في غيرتهن البشرية. كما أن أمهات المؤمنين تحلّيْن بنصيب مُقدر من خشية الله المانعة من تجاوز حدود الشرع فيما يُباح من الغيرة. روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: « أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ وَالْحِزْبُ الْآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »[34]. فمشاعر الغيرة الإنسانية لا يخلو منها أحد، ومن ثم فلا بد للمُعدد من القُدرة على امتصاص ما يترتب على الغيرة المذمومة، ومن عدم الميل مع هوى الزوجة المحبوبة على حساب بقية الزوجات وأبنائهن.

        إن الأخذ بقواعد الذرائع والاحتياط في مسألة التعدد يقي من الوقوع في كبيرة الجوْر، كما أنه يحمي الإنسان من أن يُدخل العنت على نفسه وأسرته، أو أن يُعرّض بيته للفتن التي قد تعود عليه بالخراب. فالنساء يختلفن من بيئة لأخرى، ومن زمان لآخر. فحين يعلم الزوج من زوجته غيرة شديدة لا تطيق معها وجود ضرة ثانية، بحيث لو عدّد عليها لتسَبّب في دمار بيته الأول، فإنه في مثل هذه الحال يحتاج إلى الأخذ بمبدأ سد الذرائع احتياطا لنفسه ولزوجته من تجاوز حدود الله.

        وروي في الصحيح ما يشهد لهذا الاعتبار في تقييد التعدد. فقد روى البخاري عن الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ:« أِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ»[35].  فهذا الحديث يضع بين أيدينا جانبا من النظر في مآلات الأفعال، فالتعدد الذي أباحه الله تعالى في القرآن الكريم لم يرضه النبي صلى الله عليه وسلم من علي على  ابنته فاطمة، تطييبا لخاطرها وخشية ما يمكن أن يقع منها من الغيرة مما لا يليق بمثلها. وقد استنبط ابن حجر من فوائد الحديث قوله :”وفيه حجة لمن يقول بسد الذريعة، لأن تزويج ما زاد على الواحدة حلال للرجال ما لم يجاوز الأربع، ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المآل وفيه أن الغيراء إذا خشي عليها أن تفتن في دينها كان لوليها أن يسعى في إزالة ذلك”[36].

تُفيد القصة أيضا مشروعية أن يتولى الإمام منع التعدد أو تقييده، واشتراط إذن القضاء قبل السماح بإيقاعه، فقيام النبي عليه السلام خطيبا بين الناس يفيد أن المسألة ليست خاصة بعلي وفاطمة الزهراء، بل إنه عند وجود دواعي موضوعية يمكن منع التعدد من طرف القضاء[37]. وهو ما يمكن اعتباره مستندا لقيام المدونة باشتراط الإذن من المحكمة قبل ممارسته، وسنقف عنده في المباحث الموالية. 

استنبط بعض الفقهاء من القصة أن المرأة إذا كانت في بيت لا يقبل أهله بالضرة على بناتهم فلهم ذلك وإن لم يشترطوه في أصل العقد إعمالا لقاعدة المشروط عرفا كالمشروط لفظا. قال ابن القيم:”عَلَى هَذَا فَلَوْ فُرِضَ أَنّ الْمَرْأَةَ مِنْ بَيْتٍ لَا يَتَزَوّجُ الرّجُلُ عَلَى نِسَائِهِمْ ضَرّةً وَلَا يُمَكّنُونَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَادَتُهُمْ مُسْتَمِرّةٌ بِذَلِكَ كَانَ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مِمّنْ يَعْلَمُ أَنّهَا لَا تُمَكّنُ إدْخَالَ الضّرّةِ عَلَيْهَا عَادَةً لِشَرَفِهَا وَحَسَبِهَا وَجَلَالَتِهَا كَانَ تَرْكُ التّزَوّجِ عَلَيْهَا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا سَوَاءٌ. وَعَلَى هَذَا فَسَيّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَابْنَةُ سَيّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ أَحَقّ النّسَاءِ بِهَذَا فَلَوْ شَرَطَهُ عَلِيّ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَانَ تَأْكِيدًا لَا تَأْسِيسًا”[38].

        إن تغير الأعراف قد يجعل من التعدد ضررا لا تقبله المرأة، وقد تشترط على الزوج الخيار عندما يوقعه عليها. ومما يذكر بهذا الخصوص أنه لوقت قريب كان نساء قبائل شنقيط بالغرب الإسلامي لا يقبلن بالتعدد، ويعتبرنه ضررا. قال حمادي إدريس: ” وقد جرت العادة في قبائل شنقيط أنهم يمنعون التعدد عن طريق الشرط، حتى أصبح عرفا عندهم أن المرأة تملك نفسها إذا تزوج عليها زوجها، ولهم في ذلك فتاوى تستند لمبدأ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”[39].


[1] صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل

[2]  المحرر الوجيز، ابن عطية، ج4، ص 16.

[3] بداية المجتهد، ابن رشد، ج 2 ، ص 58.

[4] صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب إذا استأذن الرجل نسائه ، حديث 5217، الفتح (10/396).

[5] صحيح البخاري، كتاب الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، حديث 2038، الفتح (4/818).

[6] الفتح، بن حجر، كتاب الاعتكاف، باب هل يخرج المعتكف لحاجته، (4/818).

[7] جامع البيان عن تفسير آي القرآن، الطبري، ج 7، ص 547.

[8]  تفسير المنار، رشيد رضا ، تفسير سورة النساء، ج4، ص 283.

[9]  أحكام القرآن، ابن العربي،ج 1، ص 397.

[10]  سنن الترمذي، كتاب النكاح، باب التسوية بين الضرائر ، وضعفه الألباني، أنظر ضعيف سنن الترمذي، ص 131.

[11]  رفعت بعض المنظمات النسائية خلال حملة تغيير مدونة الأسرة شعار منع التعدد من داخل المنظومة الإسلامية، حيث زعمن أن القرآن الكريم قيّد إباحة التعدد بالعدل، وفي وسط السورة نفى القدرة على العدل فاستنتجوا أن التعدد ممنوع بنص القرآن. ولاشك أن هذا الفهم غير سليم ولا منضبط، لأن الآية نفت القدرة على العدل التام من كل الجوانب، وأمرت المُعدد بأن يجتهد في العدل المستطاع، وحذرته من الميل القلبي الذي يوقع في الجور.

[12]  الأحوال الشخصية، محمد أبو زهرة، ص 118.

[13] التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 5، ص 218.

[14] شرح مدونة الأسرة، محمد الأزهر، ص 165

[15]  الكشاف، الزمخشري،ج 2، ص 158.

[16] صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جوز إذا أشهد، حديث 2650، الفتح، (5/587).

[17]  سنن الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، وصححه الألباني، أنظر صحيح سنن الترمذي، ج1، ص 332.

[18]  الإسلام عقيدة وشريعة، محمد شلتوت، ص 185

[19]  الموافقات، الشاطبي، المجلد الأول، ج2، ص 134 وما بعدها.

[20]  الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني، تحقيق أبو مصعب محمد صبحي بن حين حلاق، ج 4، ص 2087.

[21]  التقريب شرح مدونة الأحوال الشخصية، علال الفاسي، ص 191.

[22]  أحكام القرآن، أبو بكر بن العربي ، ج 1 ، ص 397.

[23]  التحرير والتنوير، ابن عاشور، المجلد الثاني، ج 3، ص 228.

[24]  لسان العرب، ابن منظور، مادة عول، ج 10، ص 339.

[25]  التحرير والتنوير، ابن عاشور، المجلد الثاني، ج3، ص 228.

[26]  صحيح البخاري، كتاب النفقات، باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، حديث 5355، الفتح (10/627).

[27]  الأحوال الشخصية، محمد أبو زهرة، ص 91.

[28]  صحيح البخاري ، كتاب الطلاق ، باب لم تحرم ما أحل الله، حديث 5267، الفتح (10/470).

[29] صحيح البخاري ، كتاب الطلاق ، باب لم تحرم ما أحل الله، حديث 5268، الفتح (10/470).

[30]  الفتح ، ابن حجر، كتاب الطلاق، باب لم تحرم ما أحل الله لك، (10/478).

[31] صحيح البخاري، كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدرا، حديث 6601، الفتح (13/332).

[32]  إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ج 2، ص 44

[33]  تفسير المنار، محمد رشيد رضا ، سورة النساء، ج 4، ص 258.

[34]  صحيح البخاري، كتاب الهبة وفضلها، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه، حديث 2581، الفتح، (5/519).

[35] صحيح البخاري ، كتاب المتاقب ،وقد رواها أيضا في كتاب النكاح ،باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة و الإنصاف ،بلفظ : ” إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا ” حديث 5230، الفتح (10/409).

[36] فتح الباري شرح صحيح البخاري ، كناب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة، (10/413) .

[37]  يراجع كتاب: مدونة الأسرة في ضوء المذهب المالكي، عبد الله بن الطاهر السوسي، ج1 ، ص 193

[38] زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، ج5، ص 118 .

[39]  البعد المقاصدي وإصلاح مدونة الأسرة، حمادي إدريس، ص 80 .

تابعونا على تابعونا على
شاركها. فيسبوك البريد الإلكتروني تويتر بينتيريست لينكدإن تيلقرام واتساب Copy Link
الحسين الموس

الحسين الموس، أكاديمي مغربي من مواليد الراشدية، حاصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله. أصدر عدة كتب منها "تقييد المباح" و"مدونة الأسرة". شغل منصب أستاذ بالأقسام التحضيرية سابقاً، ويعمل حالياً مديراً لمركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط.

المقالات ذات الصلة

فلسفة الصوم

3 مارس، 2025

*** رأيي في التعديلات المقترحة : تثمين العمل المنزلي ***

24 يناير، 2025

فتوى مغربية ترغب في إعطاء الزكاة للمجاهدين الفلسطينيين.

22 يناير، 2025
اترك تعليقاً إلغاء الرد

المنشورات الجديدة

قريبا قراءة في كتاب ” التمييز البناء بين الرجال والنساء” للدكتور أحمد الريسوني”

17 يونيو، 2025

إصدار جديد لمركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط

14 يونيو، 2025

تقرير أعمال ندوة مدونة الأسرة على ضوء مخرجات المجلس العلمي الأعلى والتجارب المقارنة

6 يونيو، 2025

ندوة مدونة الأسرة على ضوء مخرجات المجلس العلمي الأعلى والتجارب المقارنة.

25 مايو، 2025
تابعونا
  • Facebook
  • YouTube
أخبار خاصة
ندوات وطنية 6 يونيو، 2025

تقرير أعمال ندوة مدونة الأسرة على ضوء مخرجات المجلس العلمي الأعلى والتجارب المقارنة

بسم الله الرحمن الرحيم بعد تقديم سياق الندوة من طرف الدكتور مصطفى قرطاح وتأكيده على…

تقاعد العلماء واستمرار العطاء وتوظيف الاحتياط المعرفي

15 مايو، 2025

دورة منهجية البحث العلمي وتقنياته في العلوم الشرعية والإنسانية

12 فبراير، 2025
الأكثر قراءة
جديد الحالة العلمية 25 مايو، 2025

ندوة مدونة الأسرة على ضوء مخرجات المجلس العلمي الأعلى والتجارب المقارنة.

جديد الحالة العلمية 9 مايو، 2025

ورقة علمية حول إشكال الإلحاد وطرق مقاومته

جديد الحالة العلمية 17 يونيو، 2025

قريبا قراءة في كتاب ” التمييز البناء بين الرجال والنساء” للدكتور أحمد الريسوني”

النشرة البريدية

Maqassed
فيسبوك يوتيوب
  • من نحن ؟
  • شروط الاستخدام
  • تواصل معنا
جميع الحقوق محفوظة لمركز مقاصد للدراسات و البحوث © 2025

اكتب كلمة البحث ثم اضغط على زر Enter