بسم الله الرحمن الرحيم
بعد تقديم سياق الندوة من طرف الدكتور مصطفى قرطاح وتأكيده على أهمية الترافع العلمي البناء في خدمة قضايا الأسرة المغربية وهمومها، كان الحضور على موعد مع مداخلة الدكتورة خديجة مفيد بعنوان “المصطلح الشرعي في المدونة: مدخل للفهم السديد والتطبيق القويم” حيث أكدت أن المسار التاريخي لتجربة إصلاح المدونة، شهد وجود تدافع بين بين رؤيتين؛ إحداهما تقوم على الشرع، والأخرى تقوم على الوضع، وأن المصطلح الشرعي في مدونة الأسرة كان في صلب هذا التدافع، نظرا لأهميته البالغة باعتباره يتألف من حمولة لغوية وحمولة فكرية مؤسسة على خلفية عقدية وقيمية وفطرية، ومن ثم عملت المنظومة الوضعية على مدافعته من خلال تلميع المصطلحات الوضعية ثم التمكين لها بعد ذلك؛ ليس في مدونة الأسرة فحسب، بل في الثقافة والبرامج الإعلامية والسياسات العمومية، عن طريق الاتفاقيات والمواثيق الدولية، والآن وصلنا إلى مرحلة اجتثاث المصطلحات الشرعية. وقدمت أمثلة على ذلك منها:
- مصطلح الجندر مقابل الانسان؛
- مصطلح المناصفة مقابل التكامل؛
- مصطلح المساواة مقابل العدل؛
- مصطلح الشراكة مقابل القوامة؛
- مصطلح تحقيق الذات مقابل الحافظية؛
- مصطلح عقد الزواج مقابل مصطلح عقد نكاح؛
وبينت أن لهذه المصطلحات البديلة تأثيرات بالغة على منظومة القيم الاجتماعية والسلوك الاجتماعي واستقرار الأسرة. وخلصت إلى أن ورش المدونة سيظل ورشا مفتوحا، وأنه بحاجة إلى جهاد معرفي نسقي، من أجل إعداد معجم مصطلحي قائم على الرؤية الشرعية والمنهج التكاملي بين العلوم في إطار النسق، وهو ما اعتبرته الدكتورة مفيد التحدي المستقبلي لتقوية التشريعات والتأثير في السياسات العمومية وحماية الهوية العقدية والفطرة الإنسانية.
أما الدكتور محمد بلج فعالج موضوع “مؤسسات الصلح والوساطة الأسرية: مقترحات علمية وتجارب مقارنة”، فعرف الوساطة الأسرية بكونها: ” أسلوبا من أساليب الحلول البديلة لحل النزاعات، تقوم على إيجاد حل وِدِّيٍّ للنزاع خارج مرفق القضاء، عن طريق الحوار وتقريب وجهات النظر، بمساعدة شخص محايد الذي نسميه الوسيط الأسري.
ثم أكَّد المحاضر على أهمية الوساطة الأسرية وازدياد الحاجة إليها في ظل ارتفاع النزاعات الأسرية واشتداد توتراتها، نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الثقافية والقيمية، وما رافقها من تأثير على الأسرة والعلاقات الأسرية. وتقديرا لهذه الأهمية، وحرصا على حسن استثمارها بطريقة فعالة ومنظمة، عملت المجتمعات والدول على مأسسة الوساطة الأسرية، من خلال إنشاء مؤسسات متخصصة تقدم هذه الخدمة الاجتماعية.
وقد بين المحاضر أن مفهوم الوساطة لدى الفقهاء والقانونيين لا يختلف عن مفهوم الصلح، بل هي آلية وإجراء من آليات وإجراءات الصلح، وأشار إلى أنها تلتقي مع التحكيم في أمور عدة منها:
- أن كلا منهما طريق من طرق فض النزاع وإنهاء الخصومة، فسواء الوساطة أو التحكيم هدفهم واحد هو حل النزاعات وإنهاء الخصومة؛
- لكل منهما دوره في سرعة البت في الدعوى وإنهاء الخصومات؛
- دورهما في توفير الجهد والمال، وذلك لأن الوساطة والتحكيم لا يحتاج معهما إلا إلى نفقات بسيطة؛
- القضاء على التحامل بين المتخاصمين حيث يكون فض النزاع بين أطرافه طواعية وعن تراض منهما.
ثم عرض خصائص ومميزات الوساطة الأسرية التي تجعل منها خيارا فعالا ومرغوبا فيه لحل النزاعات الأسرية، ومنها:
- التركيز على التواصل الفعال؛
- الخصوصية والسرية؛
- الحفاظ على العلاقات الأسرية وتعزيزها؛
- المرونة والتكيف لتناسب احتياجات كل أسرة؛
- الفعالية في حل النزاعات الأسرية؛
- الطابع الودي والتعاوني في حل النزعات الأسرية.
ثم كانت المداخلة الثالثة للدكتور عبد الرحمان العمراني بعنوان “المؤسسات الخادمة لمقاصد مدونة الأسرة في بناء الفرد وإصلاح الأسرة” حيث أكد على أن مدونة الأسرة تحتاج لتحقيق مقاصدها وتوفير البيئة المواتية لحسن تنزيلها إلى مؤسسات داعمة لها في العناية بالفرد، من خلال الاهتمام بجانب القيم من طرف الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية، والبرامج الحكومية،
واقترح أن يتجه دعم هذه المؤسسات لمدونة الأسرة نحو الأمور الآتية:
- تنظيم برامج محو الأمية والتربية على القيم الأسرية لدى الأمهات والآباء؛
- مساعدة الآباء بتنظيم دورات تدريبية في التربية؛
- تمكين الأسرة من تربية أبنائها بمنح الأم العاملة عطلة الأمومة مؤدى عنها في الحولين الأولين؛
- تخصيص الدولة اعتمادات مالية خاصة ببرامج التوعية الأسرية الهادفة؛
- دعم الدولة البرامج الإعلامية المختصة في الاستشارات الأسرية…
كما حث على عقد شراكات مع المؤسسات الموازية لمؤسسة قضاء الأسرة؛ ومنها مؤسسات الوساطة الأسرية باعتبارها مؤسسات موزاية وخادمة لوظيفة قضاء الأسرة في نشدان الصلح بين الزوجين، وليست مؤسسات بديلة عنها، إذ تعمل على التخفيف على القضاء،
لما تتمتع به ميزات أهمها
- ابتعاد محل اشتغالها عن فضاء المحكمة؛
- اختلاف الأجواء التي تمر فيها جلسات الصلح بالمحكمة عن الجلسات التي تعقدها مؤسسة الخدمة والوساطة الأسرية؛
- عدم خضوع عملها للضغط الذي تفرضه كثرة الملفات على القضاء؛
- تعدد وسائل مؤسسات الوساطة الأسرية المعتمدة لتحقيق المصالحة والوصول إلى اتفاق بين الزوجين، بخلاف جلسات الصلح بالمحكمة؛
- تحرر أطرها من الاشتغال وفق التوقيت الإداري، إذ يمكنهم العمل والتنقل خارج مقرات المؤسسة بخلاف عمل جهاز القضاء…
ولهذا دعا وزارة العدل إلى الاعتراف بوظيفة مؤسسات الوساطة الأسرية وتوفير الموارد المالية لدعمها من طرف وزارة الأسرة والتضامن، وإصدار قانون ينظمها.
واقترح أن يتوج التعاون بين المؤسسات الداعمة للأسرة بتنظيم الأسبوع الوطني للأسرة قصد تتويج التفاعل الإيجابي بين جميع المؤسسات الحكومية وهيئات المجتمع الدني من أجل تحصين الاستقرار الأسري، وتتجلى ميزاته في كونه أسبوعا وطنيا تشارك فيه جميع المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والثقافية…ببرامجها ذات الأهداف الواضحة.
وفي الختام تم حفل توقيع إصدارين جديدين، أولهما كتاب “قوانين الأسرة وتطبيقاتها في العالم العربي مدونة الأسرة المغربية أنموذجا”، وهو عبارة عن عمل جماعي تحت إشراف مركز المقاصد للدراسات والبحوث لفائدة معهد الدوحة الدولي للأسرة، وقام بطبعه ورقيا مركز الدارسات الأسرية والبحث في القيم والقانون؛ أما الكتاب الثاني فهو: “دليل أخلاقيات ومهارات الوسيط الأسري” للدكتور محمد بلج، وقام بطبعه مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون.
وسيتم نشر مداخلات السادة الأساتذة تباعا في قناة اليوتوب لمركز المقاصد.
تعليق واحد
تقبل الله جهود العاملين . موضوعات في غاية الاهمية