بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله

       يعتبر المذهب المالكي من أعمق المذاهب الفقهية فهما لروح الشريعة الإسلامية ومقاصدها؛ تشوفا لأبعادها، واعتبارا لمآلاتها. وهو المذهب الذي عرف أصحابه بمراعاة الحكم والأسرار عند استنباط الأحكام الشرعية من نصوصها، وبناء الفروع على أصولها. ولما كانت المقاصد عبارة عن منهج قويم لضبط المسائل والجزئيات من خلال ربطها بغايات في شكل كليات، فقد عرف أعلام المذهب المالكي باحتفائهم بفقه أسرار الشريعة لإسلامية، وكان في مقدمتهم الإمام مالك رضي الله عنه الذي اعتبر بحق الوريث الشرعي لهذا الفقه.

      وإنه لمن الإخلاص للمذهب المالكي، والاعتراف بجهود إمام دار الهجرة وتلاميذه رضي الله عنهم أجمعين، أن ينبري العلماء وطلاب العلم الشرعي للتعريف بالتراث الفقهي المالكي. ثم إن الإسهام في إبراز الحضور المقاصدي في المذهب المالكي من قبل الباحثين والدارسين ليعتبر في حقيقة الأمر مظهرا من مظاهر استفراغ الجهد العلمي في إدراك الأسرار والأهداف الشرعية التي تنطوي عليها الأحكام الفقهية عند السادة المالكية. ولعمري إنه لقصد شريف لتعلقه بروح التشريع الإسلامي ومقاصده، وبأساسيات الواقع ومتطلباته، ولأنني أعتقد جازما أنه في غياب إدراك الأسرار والمقاصد تبقى الأحكام مجردة، وفي منأى عن تحقيق الأثر المبتغى في غياب التنزيل، بله في غياب التفاعل معها وتمثلها حقيقة إن كتب لها التطبيق الفعلي على الواقع المعيش.

     وانطلاقا من هذه الاعتبارات، آثرت الحديث في موضوع يروم إبراز جوانب من مقاصدية المذهب المالكي. سأعرضها من خلال ثلاث قضايا معززة بنماذج تطبيقة:

  • القضية الأولى مقاصدية المذهب من خلال خصائصه.
  • القضية الثانية: مقاصدية المذهب من خلال أصوله.
  • القضية الثالثة: مقاصدية المذهب من خلال الفتاوى والنوازل.

القضية الأولى: مقاصدية المذهب من خلال الخصائص

        يتميز المذهب المالكي بقوة ذاتية أكسبته النضج والتطور، والسيادة والانتشار. وقد تداخلت كثير من العوامل مكنته من ذلك كله؛ يأتي في مقدمتها ما تميز به من خصائص متنوعة، لكنها كلها ترشح بالروح المقصدية والأبعاد المصلحية. وهذا ما تدل عليه النماذج التالية:

  1. خاصية الطابع الجماعي:

       بالتأمل في طبيعة المذهب ومساره نلحظ أن الروح الجماعية سارية في كل جوانبه؛ نشأة، وتأصيلا، وتفريعا… الأمر الذي أورث الرسوخ والأصالة في الأصول المستمدة من علماء الصحابة والتابعين حتى تلقاها إمامنا مالك رضي الله عنه. يقول الدكتور الريسوني: “إن الإمام مالكا ـ كما هو معلوم ـ ورث علم علماء المدينة، وبه كان يفتي، وعليه كان يبني. و”الموطأ” خير شاهد على هذا، فهو مليء بمثل هذه العبارات: الأمر المجمع عليه عندنا، والأمر عندنا، وببلدنا، وأدركت أهل العلم، والسنة عندنا،…وكلها عبارات صريحة في أن الإمام كان يصدر عن “مذهب” قائم مستقر، علما وعملا. وهذا أمر مقرر معلوم عند الدارسين لتاريخ الفقه الإسلامي. ومما هو معلوم ثابت أيضا، أن هذا”المذهب” ليس إلا ما ورثه أتباع التابعين ـ ومنهم مالك ـ، عن التابعين، وورثه هؤلاء عن الصحابة، وذلك في تسلسل جماعي، ومن خلال الرواية والتطبيق معا…”[1]. ولقد كان لهذه الروح الجماعية الأثر البارز في كثير من الجوانب، وفي مقدمتها مقاصد الشريعة الإسلامية. ويظهر ذلك من خلال نشدان علماء المالكية للمصلحة بكل أبعادها الفردية والجماعية مما ورث لديهم ترسيخ مبدأ المسؤولية الجماعية في إبراز المقاصد السامية للأحكام الفقهية المقررة في المذهب.

      ولما كانت المصلحة مقصدا جوهريا يقوم عليه التشريع، فإن المذهب المالكي اعتبرها أساسا لبناء الأحكام الشرعية، وأثناء التشخص أو التنزيل يعطي الأولوية للمصلحة الجماعية. بيد أن هذا لا يعني بحال من الأحوال إلغاء المصالح الفردية “وإنما المقصود أن دورها مزدوج الصبغة؛ فهو إلى جانب تحقيقه لمصالح الفرد ومنافعه، كذلك يغطي مصالح الجماعة على وجه يتسم بالانسجام والتوازن بين المصلحتين”[2].

      إن التوفيق بين نوعي المصلحة ـ أثناء التعارض ـ أو الترجيح بينهما من قبل علماء المالكية، غالبا ما يكون نتيجة تقديم المصلحة الجماعية لما فيها من خير متعد يعم المجتمع، هذا فضلا عن اندراج المصلحة الخاصة في ثنايا المصلحة العامة تلقائيا. ومثال ذلك في الفقه المالكي: عقوبة قاطع الطريق داخل المدينة (المحارب):  جاء في المدونة من سؤال سحنون لابن القاسم: “قلت:أرأيت إن قطعوا الطريق في مدينتهم التي خرجوا منها، فأخذوا، أيكونون محاربين في قول مالك؟ قال: نعم”[3]. وأكد ذلك الإمام ابن رشد لما قال: ” فأما الحرابة، فاتفقوا أنها إشهار السلاح وقطع السبيل خارج المصر، واختلفوا فيمن حارب داخل المصر، فقال مالك: داخل المصر وخارجه سواء”[4] . فهاهنا نلاحظ مدى اعتبار الإمام مالك لمقصد حفظ نظام الأمة الذي هو مصلحة جماعية، ويعد أكبر مقاصد الشريعة. والدليل على صحة هذا الرأي عموم قوله تعالى: ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم”[5] .

2 . خاصية الواقعية:

      إن التراث الفقهي المالكي واقعي؛ يظهر ذلك من خلال احتفاء علماء المالكية بالمقاصد الشرعية المنسجمة مع الطبيعة البشرية في كل أبعادها الذاتية والموضوعية، فهم في فتاويهم وأجوبتهم ـ كما سيتبين لاحقا من خلال التطبيقات ـ يحرصون كل الحرص على ضمان التوازن بين ملابسات الواقع الذاتية والموضوعية من جهة، وبين مقتضيات الأحكام الشرعية في أصل تجريدها من جهة ثانية. أو على حد تعبير الدكتور فتحي الدريني: “المواءمة بين ما يقتضيه الواقع بكل حيثياته ومعطياته، وبين ما ينشده الإسلام من مثالية في المصلحة والعدل ليرتقي بالواقع ارتقاء يقربه من القيم المثالية”[6].

      ومن سمات خاصية الواقعية بالنظر إلى مقاصدية المذهب، نذكر ما يلي ـ بإيجاز ـ :

  • كثرة التطبيقات الواقعية؛ سواء على مستوى الإفتاء أوالقضاء. الأمر الذي يؤكد مدى التفاعل القائم بين التراث الفقهي المالكي والنوازل والأحداث الواقعية.
  • نبذ الافتراض والتخيل الفقهيين، ورفض الاحتمال والتخمين بسبب اعتبار المالكية للواقع المعيش أثناء تنزيل الأحكام الشرعية. يقول الدكتور محمد نصيف العسري: ” كان إمام دار الهجرة يعايش واقع المسلمين ويرقبه في المدينة، ويغوص في فهم مكوناته، حتى أنه اتخذ من فقه ذلك الواقع أصلا تشريعيا، هو ما جرى عليه العمل عند أهل المدينة”[7].
  • اعتبار القرائن المحتفة بالمحل، والنظر إلى المآل. مثال ذلك ما جاء في المدونة:

” قلت: أرأيت البكر إذا رد الأب عنها خاطبا واحدا أو خاطبين، وقالت الجارية في أول من خطبها للأب: زوجني فإني أريد الرجال؛ وأبى الأب، أيكون الأب في أول خاطب رد عنها معضلا لها؟ قال: أرى أنه ليس يكره الآباء على إنكاح بناتهم الأبكار؛ إلا أن يكون مضارا أو عاضلا لها فإن عرف ذلك منه وأرادت الجارية النكاح؛ فإن السلطان يقول له: إما أن تزوج وإما زوجتها عليك، قلت: وليس لهذا عندك حد في قول مالك في رد الأب عنها الخاطب الواحد والاثنين؟ قال: لا نعرف من قول مالك في هذا حدا إلا أن عرف ضرره وإعضاله”[8].

  • اشتراط ضرورة القيام بدراسة دقيقة للظروف الزمانية والمكانية المحيطة بالواقعة. أورد الإمام الشاطبي رحمه الله مثالا لاعتبار المكان قائلا: ” منها ما يكون متبدلا في العادة من حسن إلى قبح وبالعكس، مثل كشف الرأس فإنه يختلف بحسب البقاع، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة، وعند أهل المغرب غير قادح”[9]. وفي جانب تغير الأحوال الزمانية يقول الدكتور عمر الجيدي: ” ومن المقرر في فقه الشريعة أن لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيرا كبيرا في الأحكام الشرعية الاجتهادية. فإن هذه الأحكام القصد منها إقامة العدل وجلب المصلحة ودرء المفسدة، فلها ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة…”[10].
  • اعتبار الأحوال الاستثنائية، والعوارض والملابسات الطارئة أثناء تنزيل الأحكام على وقائعها سعيا إلى تحقيق المقاصد الشرعية، وعدم إلحاق الحرج بالناس.

3 . خاصية المرونة:

      يتجلى ذلك من خلال قيام المذهب على أصول نقلية وأخرى عقلية، واعتبار الأعراف والعادات في الإفتاء والقضاء. الأمر الذي مكن فقهاء المالكية ـ قديما وحديثا ـ من المزاوجة بين استنباط الأحكام الشرعية من نصوص الوحي ، وإعمال الاجتهاد فيما لا نص فيه أثناء معالجة القضايا الطارئة.

     وكان من مظاهر هذه الخاصية بالنظر إلى مقاصدية المذهب ما يلي:

  • السير على منهج التوسط والاعتدال أثناء إثبات الأحكام الشرعية.
  • استيعاب التطورات واحتواء المستجدات، وتقديم الحلول للنوازل والأقضية الطارئة.
  • الاقتناع الشخصي بمقتضيات الأحكام، والقابلية الذاتية لتطبيقها وتحقيقها على أرض الواقع تبعا للتعرف على المقاصد والحكم في كل حكم شرعي.
  • فسح المجال للاجتهاد المرن الذي يساير أحوال الناس وأوضاعهم، ويجاري طبائعهم دون تعارض مع نصوص الشرع ومقاصده. وهنا يمكن التمثيل بكل التطبيقات الواردة عند المالكية في مجال إعمال العرف. أذكر منها مسألة ( توزيع الربح في المضاربة)، حيث قال مالك في رجل أخذ من رجل مالا قراضا، فربح فيه ربحا، فقال العامل: قارضتك على أن لك الثلث. قال مالك: القول قول العامل، وعليه في ذلك اليمين، إذا كان ما قاله يشبه قراض مثله، وكان نحوا مما يتقارض عليه الناس، وإن جاء بأمر يستنكر ليس على مثله يتقارض الناس، لم يصدق، ورد إلى قراض مثله[11]. وتحكيم العرف في هذه المسألة هو الأقرب إلى مقاصد الشرع.
  • العمل بقاعدة تغير الفتوى واختلافها باختلاف أحوال المكلفين؛ فانطلاقا من مضمونها كان فقهاء المالكية رضي الله عنهم يوائمون الفتاوى مع مصالح الناس التي جاءت الشريعة بحفظها. مثال ذلك (مسألة اتخاذ الكلب للحراسة)، فقد كان الإمام ابن أبي زيد القيرواني (ت 386 هـ) يسكن في أطراف المدينة، فاتخذ كلبا للحراسة، فقيل له: كيف تفعل ومالك يكرهه؟ فقال: لو كان مالك في زماننا لاتخذ أسدا ضاريا[12]. فواضح من خلال كلام الإمام ابن أبي زيد رحمه الله مدى المرونة التي تميز بها الفقه المالكي. ولولا اعتباره للمقاصد الشرعية ما كان لينسب للإمام مالك رضي الله عنه أسدا ضاريا لو عاش في زمانه الذي تغيرت أحواله، وأصبح الشخص مضطرا لاتخاذ كلبا للحراسة.

القضية الثانية: مقاصدية المذهب من خلال الأصول.

      ثمة علاقة وطيدة بين أصول المذهب المالكي ومقاصد الشريعة الإسلامية، ومرد ذلك إلى الارتباط الوثيق بينهما؛ إذ امتداد المقاصد يرجع إلى الأصول المالكية، وحضورها بارز فيها، ونحن هاهنا لا نريد التتبع والاستقراء بقدر ما نريد توضيح وبيان مقاصدية المذهب من خلال التركيز على النماذج التالية:

  1. المصلحة المرسلة:

     إنه الأصل الذي لا فكاك له عن مقاصد الشريعة الإسلامية؛ لأنه متضمن فيها. بل إن من شروط اعتباره عند المالكية أن تكون الملاءمة حاصلة بينه وبين مقاصد الشارع مادام لا يشهد له دليل خاص بالاعتبار أو الإلغاء.

        ومن مظاهر أثره في إبراز مقاصدية المذهب نذكر ما يلي:

  • كون مقاصد الشريعة الإسلامية ترتكز في مضمونها على قاعدة ” جلب المصالح ودرء المفاسد”. وما احتفاء المالكية بأصل المصلحة المرسلة إلا مظهر من مظاهر تحقيق هذا المقصد.
  • إن إعمال المصلحة المرسلة عند المالكية لا يقتصر على المواضع التي لا نص ولا قياس فيها، وإنما يشمل أيضا فهم النص الشرعي وتطبيق القياس… وكل ذلك يدل على مدى حرص المالكية على اعتبار المقاصد الشرعية في بناء الأحكام الشرعية عليها.
  • إن الأخذ بالمصالح المرسلة يعد من مظاهر التيسير ورفع الحرج ودفع الضرر عن المكلفين، وكلها مقاصد عامة في الشريعة الإسلامية.
  • إن قيام الاجتهاد الفقهي عند المالكية على أساس المصالح، بما فيها المصلحة المرسلة هو ضرب من الاحتفاء بمقاصد الشريعة الإسلامية. وذلك لأن المصالح متضمنة في المقاصد، والمقاصد جاءت لتقر المصالح والمنافع الإنسانية.

      وأما تطبيقات ذلك في المذهب المالكي، فهي أكثر من أن تحصى وتعد. واطراحا للتطويل أكتفي بالنموذجين التالين:

    ـ تلقي الركبان: حكمه النهي، وذلك جلبا للمصلحة ودفعا للضرر؛ حيث إن العلة الأولى للنهي هي التغرير بالبائع والإضرار به. والعلة الثانية هي دفع الضرر عن صاحب السوق والعمل على تساوي فرصهم في الشراء. ورأي مالك ” أن المقصود بذلك أهل السوق لئلا ينفرد المتلقي برخص السلعة دون أهل الأسواق”[13].

 ـ النهي عن الغرر في البيع: يقول الإمام مالك رض الله عنه: ” لا ينبغي أن يستثنى جنين في بطن أمه إذا بيعت، لأن ذلك غرر، لا يدري أذكر أم أنثى، أحسن أم قبيح، أو ناقص أم تام، أو حي أم ميت، وذلك يضع من ثمنها”[14]. وهنا نظر الإمام مالك إلى ما يبعد الغرر عن المبايعين إعمالا للمصلحة المرسلة، مراعاة لمقصد الشريعة الإسلامية في دفع الضرر عن المتعاملين بالمال.

2ـ الاستحسان:

            إنه في المذهب المالكي عدول عن الدليل الكلي أو القاعدة العامة إلى مصلحة جزئية. واعتبر كذلك وسيلة لحفظ مقاصد الشريعة الإسلامية من اطراد الأدلة والأصول الشرعية، لكون إعمال الدليل الكلي قد يؤدي أحيانا إلى فوت مصلحة معينة للمكلفين، أو إلى المشقة والعنت المرفوعين شرعا.

     وأما عن مظاهر مقاصدية المذهب المالكي من خلال هذا الأصل فتتجلى فيما يلي:

  • انطلاقا من مضمون التعاريف التي أعطيت للاستحسان من قبل علماء المالكية تبدو علاقة الاستحسان بالمقاصد واضحة جلية؛ فالإمام ابن رشد رحمه الله مثلا يرى أن الاستحسان ليس إلا التفاتا إلى المصلحة والعدل[15]. ومعلوم أن جوهر علم المقاصد هو المصلحة، كما أن الاستقراء يفيد أن المقصد العام من وضع الشريعة هو تحقيق مصالح العباد. ويرى الإمام ابن العربي أن “الاستحسان إيثار ترك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخص”[16] ، وبهذا الاعتبار يرجع إلى رعاية مقاصد الشريعة، لأن الاستثناءات والترخصات ما شرعت إلا للتيسير ورفع الحرج ـ الذي يعتبر من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ـ أو لجلب مصلحة مقصودة شرعا، ودفع مفسدة مقصود دفعها شرعا[17].
  • كون مجرد العمل بالاستحسان يعد التفاتة بارزة إلى اعتبار كثير من المقاصد الكلية في الشريعة الإسلامية، من قبيل التيسير، والعدل، وإبعاد الحرج والضيق والمشقة غير المعتادة…، ومرد ذلك في الأصل إلى أن العمل بالاستحسان هو  الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي، أو هو ترك للقياس إذا تعارض مع مقررات التشريع وقواعده العامة ومقاصد الشريعة الإسلامية. يقول الإمام الشاطبي رحمه الله:” فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك الأشياء المفروضة؛ كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمرا إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحة من جهة أخرى، أو جلب مفسدة كذلك. وكثير ما  يتفق هذا في الأصل الضروري مع الحاجي، والحاجي مع التكميلي، فيكون إجراء القياس مطلقا في الضروري يؤدي إلى حرج ومشقة في بعض موارده، فيستثنى موضع الحرج. وكذلك في الحاجي مع التكميلي، أو الضروري مع التكميلي. وهو ظاهر”[18].
  • إنه من صور تطبيق مضمون المبدأ المقاصدي ” جلب المصلحة ودرء المفسدة” لأن أصل الاستحسان عند المالكية راجع في المحصلة إلى رعاية مقاصد الشريعة من خلال تحقيق المصالح المقصودة شرعا، ودرء المفاسد المقصود دفعها شرعا. وهو الأصل الذي يعيد الاعتبار لكثير من المصالح المهملة، ويحقق لها حفظها[19]
  •  اعتبار المصلحة ـ التي هي من أركان المقاصد ـ أثناء تقسيم الاستحسان باعتبار ما يثبت به ” لأن أكثر ما يدفع بالمجتهد إلى قطع المسألة عن نظائرها، وإعطائها حكما مستأنفا هو رعاية المصلحة التي سيتخلف وجودها لو أجريت تلك المسألة على ما يقتضيه حكم أمثالها”[20].  

تطبيقات هذا الأصل المالكي كثيرة، أكتفي بذكر النماذج التالية:

     ـ حكم بيع السلم، فهو جائز بناء على الاستحسان، وهذا ما أكد الإمام ابن رشد بقوله: ” فإنهم أجمعوا على جوازه”[21].

     ـ دفع زكاة الفطر لمن يؤديها إذا كان محتاجا[22].

     ـ منع سفر الرجل بزوجة أبيه التي طلقها، قال ابن رشد: ” احتجاج مالك بالآية يدل على أنه حمل قول النبي صلى الله عليه وسلم:( لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها) ـ أخرجه البخاري ومسلم  ـ على عمةمه في جميع ذوي المحارم من نسب أو رضاع، وكراهيته أن يسافر بها إذا كان أبوه قد طلقها وتزوجت الأزواج؛ استحسان مخافة الفتنة عليه؛ إذ ليست في تلك الحال زوجة لأبيه”[23].

3 ـ سد الذرائع:

        الذريعة في اصطلاح الأصوليين هي كل ما يكون وسيلة وطريقا إلى كل ما يتوسل إليه، سواء كانت مصلحة أو مفسدة، قولا أو فعلا. والغالب عند علماء المالكية أثناء قولهم بالذرائع هو حالة السد. فهذا الإمام ابن رشد الجد يقول: ” الذرائع هي الأشياء التي ظاهرها الإباحة، ويتوصل بها إلى الفعل المحظور”[24]. وعرفها القاضي عبد الوهاب بأنها: ” الأمر الذي ظاهره الجواز، إذا قويت التهمة في التطرق به إلى الممنوع”[25]. وقال في شأنها الإمام الباجي:إنها ” المسألة التي ظاهرها الإباحة، ويتوصل بها إلى المحظور”[26].

     ولما كان المذهب المالكي من أوسع المذاهب الاجتهادية اعتمادا على رعاية مصالح الناس، فقد كان سد الذرائع من أبرز الأصول إعمالا في الاستنباط والتخريج في جميع أبواب الفقه. وهو يسجد بحق التطبيق العملي لمراعاة المصالح والمقاصد.

     من جانب آخر، إن القصد الأساس من تشريع الأحكام هو جلب المصلحة للعباد، ودرء المفسدة عنهم. ولهذا كان من الضروري التمييز بين الوسائل الموصلة إلى تحقيقه. وما  سدت كثير من الذرائع إلا بسبب إفضائها إلى المفاسد الراجحة.

     ومن تطبيقات المالكية لهذا الأصل نذكر ما يلي:

  • صلاة الجماعة بعد صلاة الإمام الراتب: جاء في المدونة: ” قلت فلو كان رجل هو إمام مسجد قوم، ومؤذنهم أذن وأقام؛ فلم يأته أحد فصلى وحده، ثم أتى أهل المسجد الذين كانوا يصلون فيه؟ قال: فليصلوا أفذاذا ولا يجمعوا لأن إمامهم قد أذن وصلى، قال: وهو قول ملك”[27]. وفي نظري إن هذا القول المنسوب إلى الإمام مالك رضي الله عنه روعيت فيه كثير من المقاصد، من بينها:الحرص على عدم الحرمان من أجر الصلاة في أول وقتها، وعدم التساهل في حفظ جماعة المسلمين ووحدتهم، والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى اندثار معاني المحبة والألفة، واجتماع الكلمة، وعدم فسح المجال لانفراد المبتدعة بأئمتهم[28].
  • تحريم المرأة على من تزوجها في العدة: أخذ الإمام مالك عنه بما ذهب إليه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أن الرجل إذا تزوج بالمرأة وهي في عدتها أنه يفرق بينهما أبدا[29]. وذلك كله معاملة له بنقيض قصده واستعجاله الشيء قيل أوانه.
  • كراهية صيام الست من شوال: قال يحيى: ” سمعت مالكا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء…”[30].
  • ذهب الإمام مالك إلى القول بكراهية صيام الست من شوال بناء على ما قد يؤول إليه الأمر من إلحاق برمضان ما ليس منه، وخاصة من قبل أهل الجهالة والجفاء[31]. أكد ذلك الإمام الشاطبي بقوله: ” وقد كره مالك إتباع رمضان بست من شوال، ووافقه أبو حنيفة فقال: لا أستحبها، مع ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح، وأخبر مالك عن غيره ممن يقتدى به أنهم كانوا لا يصومونها ويخافون بدعتها”[32]. وللتنبيه، أشير لإلى أن الإمام مالك لما قال بكراهة صيام الست من شوال، فإنه رضي الله عنه كان يخص العوام من الناس. أما في الحالات التي يطمئن العبد فيها على نفسه، ولا يخشى الوصول إلى تلك العواقب والمآلات التي ذكرت، فإن الكراهة ترفع استنادا إلى أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما. والله أعلم.

القضية الثالثة: مقاصدية المذهب من خلال الفتاوى والنوازل.

     تبرز ثمرة المقاصد أثناء إعطاء الوقائع والنوازل التي لم يرد فيها نص ولا دليل أحكامها المناسبة لها. ففي هذه الحالة  يستفرغ الفقيه جهده، ويعمل نظره في فهم الخطاب الشرعي، ويدقق في ظروف وملابسات النازلة بغية إدراك المقاصد والغايات المرتبطة بها.

     وبذلك يكون فقه النوازل المجال العملي التطبيقي للفقه، إذ يربط الحكم بمناطه، ويعقد الصلة بين الفهم وتنزيله؛ إنه فقه واقعي، يواكب المستجدات ويلاحق الأحداث، ويعطي للدين عمومه وسعته، وللشريعة صلاحيتها لكل زمان ومكان، “فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها”[33].

     وقد كان لربط الفتاوى والنوازل بالمقاصد الشرعية الأثر الفعال في استيعاب قضايا ومشاكل المجتمعات الإسلامية والتأقلم معها، ويعتبر علماء المذهب المالكي من أكثر المذاهب الفقهية اهتماما بهذا النوع من الفقه، ومن الذين عرفوا بذلك عند أهل الشأن علماء المالكية بالغرب الإسلامي لكثرة مؤلفاتهم في فقه النوازل.

     وتبعا لذلك كله جعلت هذا الجزء الأخير من البحث خاصا بعرض نماذج من الفتاوى والنوازل لبعض مالكية الغرب الإسلامي بغية إبراز مدى احتفائهم بالمقاصد.وهكذا تم انتقاء النماذج التالية:

     رجل حلف على زوجه ألا تخرج على باب داره حتى ينقضي العام.

نص النازلة:

     وسئل رحمه الله ـ أي سعيد بن لب[34]ـ في رجل حلف على زوجه ألا تخرج على باب دار حتى ينقضي العام، وكانت اليمين باللازمة وحنث فيها أن يلزم الطلاق البتات لأجل العرف المعلوم من مقاصد الناس في تملك اليمين حتى كأنها عبارة عن ذلك، ويستحب في ذلك ثلاثة كفارات أيمان بالله تعالى لانسحاب اللفظ وعمومه، فإن كان الحالف مأسورا بالبينة سمعته حين حلف لم يقبل منه ما يدعيه من المقاصد لغلبة العرف، وإن كان لم تحضره بينة ولا عرف يمينه إلا إذا جاء مستفتيا، فإن له نيته من الطلاق وغيره من أعداد الطلاق بحسب ما يقصد. وقد سئل[35] ابن رشد عن رجل كان يعتقد أن اللازمة لا يلزم فيها طلاق فحلف بها وحنث  فلم يوجب عليه طلاقا، وألزمه ما سوى الطلاق مما ينسحب عليه اللفظ، فهذا الرجل الحالف بها في هذه المسألة إذا لم تكن يمينه بمحضر بينة ينظر إلى قصده وينزل يمينه على ما يقتضيه من حكمه، فإن كان أراد حيت خلف أن الطلاق لا يلزمه بتلك اليمين لأنه قصد الحلف بغيره لا به، فله تلك النية كمسألة ابن رشد، وإن كان حين حلف لم يستحضر في نيته طلاقا لا بالتزام ولا بإخراج لفظه يشمله والعرف يوجبه، فهذا ما عندي في تلك النازلة والسلام على من يقف عليه من كاتبه فرج”[36].

الأثر المقاصدي المستفاد من النازلة:

    تندرج هذه النازلة في باب العبادات، وتعالج مسألة الحنث في الأيمان فمن خلال تتبعنا لإجابة ابن لب يستفاد أنه رحمه الله رد قصد المكلف في الأيمان المأسورة بالبينة إلى العرف؛ وذلك في قوله لمن حلف على زوجته ألا تخرج على باب الدار حتى ينقضي العام، وكانت اليمين باللازمة وحنث فيها أنه يلزمه الطلاق البتات لأجل العرف المعلوم من مقاصد الناس في تلك اليمين، أي أن العرف خصص تلك اليمين بالطلاق البتات حتى كأنها عبارة عن ذلك، وبالتالي لا يلتفت لمن يدعي أنه قصد بمثل تلك اليمين غير الطلاق لغبة العرف، ولأن القاعدة الفقهية تقول: “المعروف عرفا كالمشروط شرطا”، أما إذا كان الحانث في الأيمان غير مأسور بالبينة، وجاء مستفتيا، فإن كانت نيته يحتملها اللفظ، ينظر إلى قصده وينزل يمينه على ما يقتضيه من حكمة، أي أنه في هذه الحالة لا يلزمه الطلاق بقدر ما يلزمه ما قصد من تلك اليمين، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”[37].

    وإن كان حين حلف لم يستحضر في نيته طلاق لا بالتزام ولا بإخراج فهنا يرى ابن لب أن العرف مُحكم وبالتالي يلزمه الطلاق البتات، احتياطا حتى لا يخرم أصل العرف المعمول به بين الناس.

   ويظهر مما سبق، أن مراعاة العوائد والأعراف أمر مهم وضروري بالنسبة للمجتهد والمفتي، يقول الإمام القرافي: “ينبغي للمفتي إذا ورد عليه مستفت لا يعلم أنه من أهل البلد الذي منه المفتي وموضع الفُتيا :ألا يفتيه بما عادته يفتي به حتى يسأله عن بلده، وهل حدث لهم عرف في ذلك البلد في هذا اللفظ اللغوي أم لا؟ وإن كان اللفظ عرفيا فهل عرف ذلك البلد موافق لهذا البلد في عرفه أم لا؟ وهذا أمر متعين واجب لا يختلف فيع العلماء، وأن العادتين متى كانتا في بلدين ليستا سواء أن حكمهما ليس سواء”[38].

الطعام على سابع الميت.

نص النازلة:

     وسئل رحمه الله عن الطعام الذي يصنع للقراءة على الميت وغيره عند تمام سابعه، ذكر بعض الناس هنا أنه ممنوع ولا يجوز أكله.وفاعله ما قصد غير الترحم على الميت وصلة الأرحام.

    فأجاب: إن المحظور من مثل ذلك إنما هو فعله على أنه دين وشرعة، وأنه من حق الميت على  أوليائه كما يفعله كثير من الجهلة على هذا الوجه ويقصدون بفعله هذا القصد فهذه بدعة وتقول على السنة، وأما فعله على الوجه الذي أشرتم إليه من استجلاب النفوس، واستنهاض القلوب بالدعاء له والترحم عليه، فلا حرج من المقاصد المحمودة، في ذلك تأنيس قرابة الإنسان، وتسليتهم بوضع كنف الإحسان حتى يظهر لهم بذلك أن فيمن بقي خلفا ممن سلف، فهذا قصد حسن “وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى” فهذا أصل من الأصول المعتمدة في الأقوال والأفعال”[39].

الأثر المقاصدي المستفاد من النازلة:

      تندرج هذه النازلة في باب الجنائز وتعالج عادة انتشرت بين أفراد المجتمع الغرناطي وهي عادة صنع الطعام على الميت عند تمام سابعة فمن خلال إجابة ابن لب تبين لنا أنه رحمه الله رد الحكم في هذه المسألة إلى قصد المكلف ونيته، انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”[40]،  فإن قصد به فاعله على أنه دين وشرعة فهو محظور، لأنه يدخل في باب الابتداع في الدين والتقول على الشرع، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”[41].

      وإن قصد به فاعله الترحم على الميت وصلة الأرحام – كما جاء في السؤال – فإن ابن لب يرى بجوازه لما فيه من المقاصد المحمودة والتي ذكر منها استجلاب النفوس، واستنهاض القلوب بالدعاء للميت والترحم عليه، أضف إلى ذلك تأنيس قرابة الميت وتسليتهم بوضع كنف الإحسان حتى يظهر لهم بذلك أن فيمن بقي خلف ممن سلف، وقد عزى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في ابنها فقال: “إن الله ما أخذ وله ما أبقي، ولكل أجل مسمى وكل إليه راجع فاحتسبي واصبري فإنما الصبر عند أول الصدمة”[42].

     إذا فالحكم على هذا الفعل يرجع إلى نية المكلف وقصده فإن كان قصده موافقا لقصد الشارع حكم على هذا الفعل بالجواز وإن كان قصده مخالف لقصد الشارع.

  البيع على التصديق:

نص النازلة:

     سئل ابن هلال السجلماسي[43] رحمه الله: عن رجل سلف لآخر بطانة من تمر وأراد المستسلف أن يكتالها، فقال له ربها إني جعلت فيها كذا وكذا إن رضيت بكيلي فخذ وإلا فلا، فهل يجوز له أن يكتالها بتصديقه أم لا؟ فأجاب رحمه الله بقوله: قال في كتاب بيوع الآجال ولا تقرض لرجل طعاما على تصديقك في كيله والعلة في ذلك أنه قد يجد نقصا فيغتفره من أجل تأخير المتسلف فكأنه سلف جر منفعة أو من خاصية قبول هدية المديان[44].

الأثر المقاصدي للنازلة:

     إن القرض قربة يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه، لما فيه من الرفق بالناس، وتيسير أمورهم، وتفريج كربهم، إلا أنه في هذه النازلة بالذات خرج عن هذه المقاصد والغايات النبيلة، لما طلب المقرض من المقترض تصديقه في كيله الذي اكتاله، كافا إياه عن إعادة الاكتيال، فمنع ابن هلال هذا القرض على التصديق، لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، يقول: «ولا تقرض رجلا طعاما على تصديقك في كيله والعلة في ذلك أنه قد يجد نقصا

     فيغتفره من أجل تأخير المتسلف فكأنه سلف جر منفعة أو من خاصية قبول هدية المديان»[45]. فهو إذا يوافق رأي فقهاء المالكية الذين يقولون بعدم جواز «التصديق في القرض فمن اقترض نقدا أو طعاما أو غيرهما لا يجوز له أن يصدق المقرض فيما أخذه منه وتعليل عدم الجواز لاحتمال وجود نقص أو رداءة فيقاضي عنه أخذه لحاجته أو رجاء أن يؤخره المقرض أو يجعله نظير المعروف فيكون في ذلك سلف بزيادة كهدية المديان فتحرم سدا للذريعة، لأنه يؤدي إلى سلف جر نفعا بزيادة»[46]. وبهذا يكون ابن هلال قد بنى اجتهاده على قاعدة مقاصدية مهمة تتمثل في “سد الذرائع”، التي عمل بها كافة فقهاء المذاهب ولم تكن حكرا على مذهب دون غيره. «ولهذا منع الأئمة بيع الطعام على التصديق، لأن الكيل شرط عندهم ولم يوجد»[47]، كما أنه «لا يجوز التصديق على الصرف والمبادلة والقرض والمبيع لأجل، ودليل هذه الأحكام سد الذريعة المفضية إلى الربا لذلك تجد العلل التي عللت بها هذه الأحكام عللا ربوية»[48].

إحداث الجمعة في قرى صغيرة.

ـ نص النازلة:

   سئل الإمام ابن هلال السجلماسي أيضا عن الجمعة التي أحدثها أهل هذه القرى هل ذلك جائز أم لا؟ وإن صلاها أحد في غير الموضع الذي تجب فيه هل يعيد من صلاها ظهرا أربعا أم لا؟ وكيف بقول يحيى بن عمر ومحمد بن مسلمة لا تجوز إلا بثلاثة شروط: المصر، والجماعة، والإمام الذي تخاف مخالفته، فمتى عدم شرط من هؤلاء لم تجب الجماعة فيا سيدي قد عدم الشرط الثالث كما ظهر لكم؟

      فأجاب رحمه الله بقوله: أما الجمعة فإن كانت القرية كبيرة تشبه المصر في الصورة جاز إقامتها به، وإن كان صغيرا فلا يجوز إقامتها فما بلغكم من إنكار العلماء عن إقامتها يحمل هذه القصور. إنما هو لصغر وقلة الدور وما ذكرتم من أن من شرطها الإمام الذي تخاف مخالفته قاله يحيى بن عمر ومحمد بن مسلمة ولكن لا عمل على ذلك وليس بصحيح وإنما علتها ما أشرنا إليه من صغر القصور[49].

بيان الأثر المقاصدي:

      إن صلاة الجمعة تعين على البر والتقوى، يقف المسلمون فيها صفا واحدا خلف إمام واحد يناجون الله ويدعونه كالبنيات المرصوص يشد بعضه بعضا، فتظهر قوة المسلمين واتحادهم، وفي صلاة الجمعة اجتماع كلمة المسلمين وائتلاف قلوبهم وتعارفهم، وفيها التراحم والتعاطف، ودفع الكبر والتعاظم، وفيها تقوية الأخوة الدينية، فيقف الكبير إلى جانب الصغير، والغني إلى جانب الفقير، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، مما به تظهر عدالة الإسلام وحاجة الخلق إلى الخالق الملك العلام. من ثم وجبت المحافظة عليها وأداؤها كما ينبغي من قبل المسلمين باعتبارها خصيصة امتازوا بها عن سائر الملل والنحل. وبالعودة إلى النازلة موضوع الدراسة والتحليل نجد ابن هلال يراعي في إجابته كل هذه المقاصد الشرعية النبيلة التي دعا إليها الشرع من خلال حثه على إقامة صلاة الجمعة، وسائر الصلوات المفروضة على المسلمين، فلما استحدث الناس صلاة الجمعة في قراهم الصغيرة المتناثرة هنا وهناك، الشيء الذي تغيب معه تلك المقاصد النبيلة من وحدة واجتماع والتحام المصلين في الصفوف وسائر المصالح الشرعية المطلوبة، نجد إمامنا ابن هلال يبين صفة القرية التي تجب فيها إقامة الجمعة، بقوله: «أما الجمعة فإن كانت القرية كبيرة تشبه المصر في الصورة جاز إقامتها به وإن كان صغيرا فلا يجوز إقامتها»[50]. وإلى هذا ذهب ابن رشد قبله في أجوبته نقلا عن الإمام مالك قوله: «إن الجمعة لا تجب إلا في القرية الكبيرة المتصلة البنيان، التي فيها الأسواق. ومرة سكت عن اشتراط الأسواق فمذهبه أن الجمعة لا تجب إلا في الأمصار أو في القرى العظام التي تشبه الأمصار»[51]. وفي كل هذه الأقوال إجابة واضحة عن العلة في منع إقامة صلاة الجمعة في هذه القرى لصغرها وقلة دورها، أما ما ذكره السائل «من أن شرطها الإمام الذي تخاف مخالفته قاله يحيى بن عمر ومحمد بن مسلمة»[52]، لكن ابن هلال اعتبر ذلك الشرط غير صحيح، فأشار إلى علة المنع بوضوح، ولخصها في صغر القصور والدور.

الشركة في فندق وقعت الخصومة فيه بعد موت الشركاء:

نص النازلة:

    “سئل ـ الإمام المازري[53]ـ رحمه الله: عن شريكين في فندق توفي أحدهما وخلف ورثة وتوفي أحد الورثة وترك أحدهم مولى عليه، وتوفي الشريك الآخر، وترك وارثا فتخاصما ورثة الشريك الأول في رباعه ومن جملتها نصيب من هذا الفندق، وطال النزاع بينهم ذلك وكذا النزاع في أصل ملك الشريكين فقام الوارث لأحد الشريكين المفرد فطلب المفاصلة في هذا الفندق ولأنه بقي إلى فراغ الخصام سقط وتهدم هو على الحالة التي ذكر فقال الخصم ينادي عليه، ويحضر كل من له حق يسلم أو يرد فحضروا، وكذا ولي الأيتام ونودي عليه ووقعت المزايدة بحضرة القاضي، فوقف على الشريك جمع على أن يأخذ كل واحد ما صح له في الفندق، فهل يصح هذا البيع مع التنازع لكونه لا يبقى أم لا؟

      فأجاب: إذا ثبت أنه لم يبادر إلى إصلاحه تهدم وامتنع الشركاء من إصلاحه فالقول قول من دعا إلى النداء عليه والبيع إذا كان الخصام يؤدي إلى هلاكه وهلاك مال الشركاء، وهو من باب إضاعة المال ومن الضروريات المبيحة لبيعه إذا كانت أممهم تختلف وما يزاد عنه انكشاف الخصام، وينقص إذا كان لا يحبس إليه وهذا الاستظهار لأنه إن ثبت لم يبق في البيع ما يتعقب”[54].

الأثر المقاصدي :

      جاء جواب الإمام المازري في هذه الفتوى بناء على مقاصد الشريعة حين أفتى بعدم إضاعة المال قائلا :”والبيع إذا كان الخصام يؤدي إلى هلاكه وهلاك مال الشركاء وهو من باب إضاعة المال ومن الضرورات المبيحة لبيعه ” .فهنا يظهر جليا حضور هذا المقصد الجليل في الحفاظ على كلية المال لأن تنازع الطرفين حول الفندق بعدم إصلاحه قد يهدم فتضيع حقوق كل واحد منهما .فما كان من إمامنا إلا أن أفتى ببيعه وإعطاء كل ذي حق حقه.

    إحياء أراض الموات الواقعة قرب العمران.

نص النازلة:

   سئل ابن أبي زيد القيرواني هل يجوز للسلطان أن يقطع مواتا قرب العمران ؟ وهل فيه خلاف ؟.

    _ فأجاب: قطعه بقرب العمران ، لا بأس به ، إذا كان من الموات ، وعن أشهب : إحياء الموات جائز [55]، ولو بقرب العمران ، إذا لم يضر بأحد ” [56].

الأثر المقاصدي المستفاد من النازلة:

    جوز الإمام ابن أبي زيد القيرواني للسلطان قطع الأرض غير المستعملة في شيء ، والتي لا تعود ملكيتها لأحد من الناس لتسخيرها فيما يعود بالنفع على الصالح العام، ولو كانت قرب العمران، لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ولكون هذه الأرض ميتة فإحياؤها مأجور عليه، ويدخل الرجل في أعمال البر، ولأن من أحيا أرضا تكون له فبالأحرى أن يحييها السلطان، لأن نفعها سيكون لصالح الرعية من الناس. وهذا مستحب ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” من أحيا أرضا ميتة فهي له ” [57]، وذهب إلى ذلك أشهب من كون إحياء أرض الموات جائز ولو بقرب العمران، اللهم إن أضر بالناس فهنا لا يجوز نظرا لأن رفع الضرر معتبر في الشريعة ومقدم على جلب المصالح، مراعاة لأحوال الناس وظروفهم .

 خاتمـــة:

    في ختام هذا العرض يمكن التذكير بأهم الخلاصات والنتائج العلمية التي توصلت إليها وفق ما يلي:

  • إن المذهب المالكي لن يعطى له قدره الذي يستحقه، ولن نقوم بنصرته حقا ما دمنا نتعامل معه باعتباره فروعا وجزئيات فحسب، أو أصولا نظرية، وخصائص مثالية، ولم نهتد بعد إلى التعامل معه باعتبار ما يتضمنه من مقاصد وأسرار وحكم؛ فبإحياء هذه المعاني ونشرها نستطيع بث الروح في فقهنا المذهبي، وجعله فقها حيا يدخل إلى القلوب بغير استئذان، فيتحول آنذاك إلى أثر واقعي يؤتي أكله كل حين بإذن الله.
  • لقد راعى إمام المذهب رضي الله عنه في أجوبته وتوجيهاته كلا من قصد الشارع وقصد المكلف، واشترط موافقة الثاني للأول. ومن أجل ذلك كله ذهب إلى بطلان الأعمال التي لم تشرع، والمعاقبة بنقيض المقصود، واعتبار النية في كل الأقوال والأعمال… وفي الجملة كل ذلك يبرز مدى اعتبار المقاصد الشرعية عند الإمام مالك. مما جعل مذهبه مذهبا مقاصديا بامتياز.
  • إن كتاب الموطأ للإمام مالك رضي الله عنه في حاجة ماسة إلى دراسة مقاصدية مستفيضة تتضافر من أجلها جهود الغيورين من الباحثين، خصوصا وأن الدراسات التي ألفت في هذا المجال لم تف بالغرض المطلوب.
  • اهتم أعلام المذهب المالكي ـ وخاصة أهل الغرب الإسلامي ـ بالنوازل والفتاوى أيما اهتمام، وكانوا يراعون المقاصد الشرعية ويلتفتون إليها، فكشفت أجوبتهم بوضوح تام عن مراعاتهم للأسرار والغايات والمصالح الشرعية، وتشوفهم لمآلات الأفعال والتصرفات، واعتمادهم على الأصول والقواعد المعتمدة في المذهب المالكي من قبيل سد الذرائع، ومنع الحيل، وإعمال المصلحة المرسلة، والعرف والتركيز على قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، فحق لنا أن نصف اجتهاداتهم وفتاويهم بأنها مقاصدية تنبع عن فكر مصلحي مقاصدي واضح.
  • إننا اليوم في حاجة ماسة ـ أكثر من أي وقت مضى ـ إلى التعامل مع الفقه المالكي بعقلية مقاصدية تروم التجديد المنضبط بضوابط الشرع، وإمكانات الواقع ومتطلباته، وذلك من أجل مواكبة المتغيرات المجتمعية المتسارعة باجتهاد فقهي غائي يعالج المشكلات ويستشرف المقاصد والمآلات.

والحمد لله رب العالمين

فهرس المصادر والمراجع

القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.

  • الاجتهاد في الشريعة الإسلامية مع نظرات تحليلية في الاجتهاد المعاصر للدكتور يوسف       القرضاوي، دار القلم، الكويت، الطبعة الثانية 1410 ـ 1996 .
  • الاجتهاد المقاصدي، حجيته، ضوابطه، مجالاته للدكتور نور الدين بن مختار الخادمي، سلسلة كتاب الأمة رقم 65، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، الطبعة الأولى جمادى الأولى 1419 ـ غشت/ شتنبر 1998 .
  • الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: لشهاب الدين القرافي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية 1416هـ.
  • أحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي (ت 474 هـ)، حققه وقدم له ووضع فهارسه الدكتور عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1407 هـ ـ 1986 م.
  • الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب المالكي (ت 482 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت (د ـ ت).
  • أصل اعتبار المآل بين النظرية والتطبيق: للدكتور عمر جدية، تقديم الدكتور محمد الروكي،دار ابن حزم، بيروت لبنان الطبعة الأولى 1430هـ-2010م.
  • الاعتصام للإمام أبي إسحاق ابراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي الغرناطي (ت 790 هـ )، دار الفكر بيروت،(د ـ ت).
  • بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام القاضي أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد (ت 595 هـ)، دار الحديث القاهرة، طبعة سنة 1414 هـ ـ 1994 م.
  • البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة لأبي الوليد أحمد بن رشد الجد، تحقيق محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1408 ـ 1988 م.
  • تقريب الأمل البعيد في نوازل الاستاذ أبي سعيد: لأبي سعيد بن لب الغرناطي (ت 782هـ)، تحقيق حسين محتاري وهشام الرامي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1424هـ-2004م.
  • دراسة وتحقيق نوازل ابن هلال السجلماسي (ت 903هـ / 1497م)، لسلام أبريش، بحث لنيل الدكتوراه في شعبة الدراسات الإسلامية، (2001م / 1422هـ)، تحت إشراف الدكتور عبد السلام الهراس، كلية الآداب ظهر المهراز فاس.
  • الذخيرة لشهاب الدين أحمد بن ادريس القرافي (ت 684هـ / 1285م)، الطبعة الأولى، 1994م، دار الغرب الإسلامي.
  •  الرسالة: لمحمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ)، تحقيق أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
  • السنن لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترميذي، تحقيق وتعليق أحمد شاكر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر، الطبعة الثانية 1395 هـ ـ 1975 م.
  • شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن مخلوف المطبعة السلفية القاهرة طبعة 1349
  • صحيح البخاري، الجامع الصحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256 هـ)، تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة بيروت، الطبعة الثالثة 1407 هـ.
  • العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومهما لدى علماء المغرب للدكتور عمر بن عبد الكريم الجيدي، مطبعة فضالة المحمدية 1404 هـ ـ 1984 م.
  • الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض، للقاضي عياض تحقيق ماهر زهير جرار دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى 1402هـ 1982م بيروت لبنان
  • فتاوى ابن أبي زيد القيرواني ، لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني ، جمع وتقديم حميد محمد لحمر ، دار الغرب الإسلامي _ تونس _ الطبعة الثانية : 2008 م .
  • فتاوى ابن رشد لمحمد بن أحمد بن رشد الجد القرطبي المالكي، (520هـ / 1126م)، دار الغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ – 1987م.
  • فتاوى الإمام المازري تحقيق وجمع وتعليق الدكتور الطاهر المعموري الدار التونسية للنشر ومركز القيروان للدراسات الإسلامية طبعة 1994 م.
  • الفكر المقاصدي عند الإمام مالك وعلاقته بالمناظرات الأصولية والفقهية في القرن الثاني الهجري للدكتور محمد نصيف العسري، مركز التراث الثقافي المغربي الدار البيضاء ودار الحديث القاهرة، 1429 هـ ـ 2008 م.
  •  فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات”، لعبد الحي بن عبد الكبير بن محمد الإدريسي الكتاني الفاسي (ت 1138هـ – 1769م)، دار الغرب الإسلامي.
  • فهرس علماء المغرب من النشأة إلى نهاية القرن 12هـ، منهجيتها، تطورها، قيمتها العلمية”، لعبد الله المرابط الترغي، منشورات كلية الآداب تطوان، سلسلة الأطروحات (2)، الطبعة الأولى 1420هـ – 1999م.
  • المحصول في أصول الفقه لأبي بكر بن العربي، تحقيق حسين علي اليدري سعيد قودة، دار البيارق، الطبعة الأولى 1420 هـ ـ 1999م.
  • المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس (ت179 هـ)، دار الكتب ا للعلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ ـ  1994 م.
  • مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية لمحمد سعد بن أحمد بن مسعود اليوبي، دار الهجرة الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1408 هـ ـ 1991 م.
  • مقاصد الشريعة عند ابن تيمية ليوسف أحمد محمد البدوي، دار النفائس، الطبعة الأولى 2000 م.
  • المقدمات الممهدات لأبي الوليد محمد بن رشد الجد القرطبي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1408 هـ ـ 1988 م.
  • مناهج التشريع الإسلامي في القرن الثاني الهجري للدكتور محمد بلتاجي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لجنة البحوث والتأليف والترجمة والنشر، 1397 هـ ـ 1997 م.
  • المنتقى في شرح موطأ الإمام مالك للقاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي (403 – 494هـ)، دار الكتاب العربي بيروت لبنان، الطبعة الأولى سنة 1332هـ.
  • الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي (ت 790هـ)، حققه عبد الله دراز، الطبعة الثانية 1390هـ – 1970م، دار المعرفة بيروت لبنان.
  • موطأ الإمام مالك بن أنس برواية يحيى بن يحيى الليثي، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان 1406 هـ ـ 1985م
  • نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي للدكتور فتحي الدريني، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الرابعة 1408 هـ ـ 1988 م.
  • نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي للدكتور أحمد الريسوني، دار الأمان الرباط، الطبعة الأولى جمادى الثانية 1411 هـ ـ يناير1991 م.
  • نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب: لأحمد بن محمد المقري التلمساني حققه إحسان عباس، دار صادر، بيروت 1388هـ-1968م.
  • نوازل ابن هلال”، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، رقم 2530، ضمن مجموع 119.

 [1] ـ نظرية المقاصد: 58

[2]  ـ اعتبار المآلات لعبد الرحمن معمر السنوسي : 42            

[3]  ـ المدونة : 16 / 302

[4]  ـ بداية المجتهد: 2 / 455

[5]  ـ سورة المائدة، الآية35

[6]  ـ نظرية التعسف في استعمال الحق: 23

[7]  ـ الفكر المقاصدي عند الإمام مالك:271

[8]  ـ المدونة الكبرى: 2 /197

[9]  ـ الموافقات: 2 / 284

[10]  ـ العرف والعمل في الذهب المالكي: 114

[11]  ـ الموطأ : 2 / 539

[12]  ـ نقلا عن الدكتور القرضاوي في كتابه الاجتهاد في الشريعة الإسلامية: 182

[13]  ـ بداية المجتهد: 2 /144

[14]  ـ الموطأ: 2 / 476 ، كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع العربان

 [15] ـ بداية المجتهد: 3 / 201

[16]  ـ المحصول : 1 / 132

[17]  ـ ينظر مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة لمحمد سعد اليوبي: 576، ومناهج التشريع الإسلامي لمحمد بلتاجي: 451.

  [18]ـ الموافقات: 4 / 206

[19]  ـ ينظر نظرية المقاصد للدكتور الريسوني: 71

[20]  ـ اعتبار المآلات: 304

[21] ـ بداية المجتهد : 2 / 276

[22] ـ ينظر البيان والتحصيل: 2 / 482 ـ 483

[23] ـ نفسه: 4 /297 ـ 298

[24]  ـ المقدمات: 2 / 198

[25]  ـ الإشراف على مسائل الخلاف: 1 /139

[26]  ـ إحكام الفصول: 689 ـ 690

[27]  ـ المدونة: 1 /90

[28]  ـ ينظر أصل اعتبار المآل بين النظرية والتطبيق: 11 ـ 112

[29]  ـ بداية المجتهد : 2 /27

[30]  ـ الموطأ : 1 /311

[31]  ـ لمزيد من التفصيل يرجع إلى كتابي ( أصل اعتبار المآل بين النظرية والتطبيق) ص 110

[32] ـ الاعتصام: 2 / 32

[33] ـ الرسالة لمحمد بن إدريس الشافعي،: 20.

[34] ـ هو أبو سعيد فرج بن قاسم بن لب الغرناطي، ولد بغرناطة سنة إحدى وسبعمائة (701 هـ)، وهو

     من علماء المالكية الذين تنوعت مؤلفاتهم بين العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية، وقد حقق بعضها،

     والبعض الآخر لا يزال مخطوطا… توفي رحمه الله ليلة السبت لسبع عشرة ليلة مضت من ذي الحجة عام

     اثنين وثمانين وسبعمائة للهجرة.( ينظر نفح الطيب للمقري: 5/ 513 ).

[35]ـ ذكر هذه المسألة ابن رشد في فتاويه، من مسائل الأيمان اللازمة، واعتقاد العاصي فيها أنه لا يلزمه الطلاق

     فيها، المسألة 341. انظر فتاوى ابن رشد: 2/1111 (المحقق).

[36]– تقريب الأمل البعيد: 1/94-95.

[37]– سبق تخريجه.

[38]– الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام لشهاب الدين القرافي: 232.

[39]– تقريب الأمل البعيد، 1/81.

[40]– رواه البخاري، كتاب كيف كان بدء الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 1، ص: 9.

[41]– رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم الحديث 2697،

     ص: 561.

[42]– رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قوله صلى الله عليه وسلم، يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه…

     حديث رقم 1284، ص: 266.

[43]  ـ هو إبراهيم بن هلال مفتي سجلماسة ، و صاحب التصانيف الغزيرة ، فقيه مالكي بامتياز يكنى بأبي

     إسحاق ، وبأبي سالم توفي سنة 903 هـ عن عمر يناهز 86 سنة. (ينظر فهرس علماء المغرب لعبد الله المرابط الترغي: 399، وفهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني: 1106) .

[44] – نوازل ابن هلال: 650.

[45] – “نفسه: 650.

[46] – الدخيرة للقرافي، 5/294.

[47] – نفسه، 5/128.

[48] – المنتقى للباجي، 5/75.

[49] – دراسة وتحقيق نوازل ابن هلال لسلام أبريش، 2/428-429.

[50] – دراسة وتحقيق نوازل ابن هلال لسلام أبريش، 2/428.

[51] – “فتاوى ابن رشد لابن رشد الجد، 2/1010.

[52] – نوازل ابن هلال لسلام أبريش، 2/429.

[53]  ـ  أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري مستوطن المهدية إمام بلاد إفريقية وما وراءها من بلاد المغرب. ولد سنة 453هـ/ 1061 تقريبا. توفي رحمه الله سنة 536 هـ ـ 1141م. ( ينظر شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: 127 ، والغنية فهرست شيوخ القاضي عياض، تحقيق ماهر زهير جرار:65 ).

[54] – فتاوى المازري للعموري الطاهر : 267.

 [55] ـ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” من أحيا أرضا ميتة فهي له ”  أخرجه الترمذي في السنن عن جابر بن

        عبد الله . وقال : حديث حسن. كتاب الأحكام ، باب : ما ذكر في إحياء أراض الموات .

ـ فتاوى ابن أبي زيد القيرواني ، لحميد محمد لحمر ، ص : 225 -226 .[56]

ـ سبق ت خريجه.[57]

شاركها.

- الدكتور عمر جدية أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس. - نائب عميد سابق لكلية الأدب سايس، مكلف بالشؤون الأكاديمية و البيداغوجية (2014-2018). - له مشاركات كثيرة في ندوات علمية وطنية ودولية. - من مؤلفاته -أصل اعتبار المآل بين النظرية والتطبيق -منهج الاستقراء عند الأصوليين والفقهاء

3 تعليقات

اترك تعليقاً

Exit mobile version